الحمد لله رب العالمين
هناك غاية من المعرفة وغاية متحققة بالعلم لمن أراد التدبر في آيات الكتاب
الذي أنزله الله بعلمه ، فالله تعالى عظيم الصفات ومعرفته سبحانه هي معرفة
صفاته والله عز وجل ما خلق الجن والانس الا ليعبدون
قال تعالى في محكم كتابه العزيز
(قال عذابي أصيب به من أشاء ورحمتي وسعت كل شيء )
وقوله تعالى : عذابي أصيب به من أشاء متعلقة بالارادة ، والارادة لا تتعلق بالقديم
لأن العذاب من صفة الفعل فعلقه بالمشيئة ( من أشاء) وهذا يعني أنه معلق بمشيئة الله
وفيه اشارة أن أفعاله غير معللة بأكساب الخلق ، ولم يقل سبحانه عذابي أصيب به العصاة
بل قال سبحانه : (من أشاء ) ، وفي ذلك اشارة الى جواز الغفران لمن أراد ، فأحكامه سبحانه
ليست معللة بأكساب الخلق ، وعندما انتهى الى الرحمة قال سبحانه وتعالى
( ورحمتي وسعت كل شيء ) لم يعلق رحمته بالمشيئة لأنها من صفات الذات
ولا ننسى في هذا الباب دعاء الملائكة الكرام بقولهم على لسان الله في محكم كتابه العزيز
( ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما فاغفر )
فكيف يعرف العبد ربه وهو ليس له علم بصفات ربه العظيمة وهو الأرحم بعباده وخلقه ، وكيف يود
العبد القرب من ربه ويبتغي الوسيلة وهو لا يعرف ما يقدم وما يؤخر لأن هذا العلم أكبر من أن تحيط به
المدارس المقلدة ، وحتى لا يصدق فينا قول الله عز وجل ( ما قدروا الله حق قدره) ، أو قوله سبحانه
لنبيه نوح عليه السلام ( اني أعظك أن تكون من الجاهلين ) وأن لا يسأله ماليس له به علم
وهنا تتجلى الحكمة الظاهرة ، فالعباد لم يقدروا عظمة الله بعظيم صفاته ومنها أنه سبحانه وتعالى
أرحم الراحمين والأرحم بعباده وخلقه ، وكيف يسعى العبد الى الفوز بالجنة ومعرفته بربه قاصرة
والجنة والنار ليستا غايتين في حد ذاتهما رغم أنهما مخلوقتان ، وبهذا يعلم أن رضوان الله في نفسه
صفة من صفاته وهي صفة النعيم الأعظم وهي الغاية التي يجب أن يناضل من أجلها العبد
العابد المتحقق الذي أحب الله تعالى حبا صادقا ، وصدق فيهم قول الله عز وجل :
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ )