أما عن أنباء آخر الزمان كما جاء فى الأديان الكتابية فنجد الكثير منها قد ذكر فى سفر الرؤيا و الذى فيه قاسم مشترك كبير مع ما تم ذكره فى القرآن الكريم. و قد تم التأصيل لهذا العلم و هو علم أشراط الساعة على النحو التالى: بيان المقصود بمصطلحات اليوم الآخر و الساعة و القيامة كما هو الحال بمصطلحات الأشراط و الآيات و العلامات و الأمارات.
و لعلى أذكر هنا أننا فى عامنا المقبل 2012 سيكون محور الأرض قد أكمل دورته السادسة التى مقدارها 26000 سنة و بهذا تكون الأرض قد دخلت فى يومها السابع على المستوى المجرى و يكون تعامد الأرض و الشمس و مركز المجرة على خط واحد و هو خسوف فريد رهيب تمر به الأرض سيتم على أثره إضعاف المجال المغناطيسى للأرض و تحويل الأقطاب و هو مصاحب لنشاط شمسى زائد تستقبل الأرض فيه من الرياح الشمسية بكمية أكبر من احتمالها و الذى أتوقع أن يشوش على كل الإتصالات كما هو الحال عند الأقطاب فى حالات النشاط الشمسى الزائد فتجد اعطال فى الإتصالات و البوابات الإلكترونية و غيرها من مظاهر الحياة الإلكترونية، يومها تسلب البشرية ما حققته من اكتشافات و تطبيقات علمية فما عاد هناك اتصالات و لا حرب الكترونية و لا غيره، و تصبح هذه الأسلحة مشلولة معطلة و سيكون الجندى الذى يتعامل معها قد تعود أنها تعمل إلكترونياً و لا يدرى كيفية تشغيلها يدوياً. تماما كأنك أحضرت أحد الجنود المتدربين على أسلحة يتعامل معها يدويا ثم تركته ليتعامل مع برامجها الكترونياً. و لذلك فإن المعركة الأخيرة ستكون عقدية فى المقام الأول حيث تكون الأسلحة قد أمست مشلولة، و لذلك ستجد من أخبارها فى كل الحضارات و الأديان فما من أمة إلا و لها رسول منهم. و إخبار النبى بأحداث مستقبلية غيبية هى من صلب رسالته إلى الناس حتى أن لفظ نبى مشتق من النبوءة
﴿ عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ ﴾ الجن 26-27
و كان لنبى الله الخاتم نصيب كبير بما حدث به صحابته الكرام، فإن الله قد طوى الزمن لرسوله الكريم فخبر صحابته عن بدء الخلق إلى أن دخل أهل الجنة منازلهم و أهل النار منازلهم و هذا ما جاءنا من حديث عمر. و عنه أيضاً أن الرسول قال "أن الله عز و جل قد رفع لى الدنيا، فأنا أنظر إليها و إلى ما هو كائن فيها إلى يوم القيامة، كأنما أنظر إلى كفى هذا". و قد خصنا الله عز و جل بما لم يخص به أحد من الصحابة و التابعين الذين آمنوا بما قاله الرسول غيباً أما نحن فيجب علينا أن نعلمه يقيناً فقد استطاع الإنسان أن يسجل من الأفلام و يعرضها على جهاز صغير بحجم كف اليدipod و هذا ما صنعه البشر. و لم يترك رسولنا الكريم شئ إلا و حدث به أصحابه و ما كتم عنهم علم ينفعهم و ما امتنع عن الخوض فيه فكان رحمة بهم حتى أنه كان يقول لو علمتم الغيب لاخترتم الواقع. و كما جاءنا من حديث أبي ذر لقد تركنا رسول الله و ما يتقلب فى السماء طائر إلا ذكر لنا منه علما. و كان للصحابى الجليل حذيفة بن اليمان ما لم يكن لغيره من الصحابة عن أنباء آخر الزمان حتى قيل عنه أنه سر رسول الله، و قال حذيفة عن علمه عن آخر الزمان "ما من صاحب فتنة يبلغون ثلاثمائة إنسان إلا و لو شئت أن أسميه باسمه أو اسم أبيه و مسكنه إلى يوم القيامة كل ذلك علمنيه رسول الله . قالوا: بأعيانها؟ قال أو أشباهها يعرفها الفقهاء أو قال العلماء، أنكم كنتم تسألون رسول الله عن الخير و أسأله عن الشر و تسألونه عما كان و أسأله عما يكون".
و عن خطبة الرسول فيما كان و ما سيكون فقد وردت بعدة روايات و كانت من الطول بحيث بدأت بعد صلاة الفجر حتى الظهر فقام بهم للصلاة ثم صعد المنبر فأكمل حتى صلاة العصر فصلى بهم ثم صعد المنبر فأكمل حتى كادت الشمس أن تغرب فلم يبقى منها شيئاً، فأنبأهم رسول الله أنه لم يبقى من الدنيافيما مضى إلا كما بقى من يومكم هذا فيما مضى منه. و هذا يدل على قرب نهاية الزمن و قرب اليوم الآخِر.
و كما هو مفهومنا عن تقاسيم الأيام و الساعات بدورة الأرض حول محورها يكون اليوم و دورتها حول الشمس تكون السنة و خلال هذه السنة تكون الأرض قد مرت بدائرة البروج و لولا انحراف محور دوران الأرض لكانت قبة السماء التى نراها فوقنا ثابتة مدى الحياة و لكنها تتغير بمقدار درجة واحدة كل 72 سنة و لهذا فإن تغير القبة السماوية من فوقنا له دورة هو الآخر. و عن سبب تطبيقى لهذا المبدأ أن هذا هو سنة الله فى الخلق إذ قال
﴿ إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴾يونس 3-5
أما عن دورة انحراف محور الأرض و التى مدتها 26000 سنة فهى الأساس لحساب أيام الأرض إلى قيام الساعة.ففى العام القادم 2012 يكون محور الأرض قد أتم الدورة السادسة له و كما جرى العرف فإن لكل يوم حدث فلكى يحدد بدايته و نهايته كشروق الشمس فى فجر كل يوم. فاليوم الذى مقداره 26000 سنة ينتهى بحدث فلكى ألا و هو تعامد الأرض و الشمس مع مركز المجرة (درب التبانة) و تكون هى لحظة ميلاد يوم جديد. و على هذا يكون هناك خسوف لمركز مجرتنا و بهذا الخسوف المهيب نكون قد أتممنا يومنا السادس و بدأت أحداث يومنا السابع ألا و هو اليوم الآخِر. و تبدأ أحداث جلل مرتبطة بأشراط الساعة ألا و هى ظهور البرج الثالث عشر فى دائرة البروج و الذى يظهر كل 26000 سنة أهذه إشارة بظهور الدجال. و نلاحظ تسمية الله لهذه الأحداث بأشراط الساعة كما هى الساعة من نهارنا أو ليلنا و لكن كل يوم و له مقداره فى الحساب. هل يمثل هذا الحدث بداية اليوم الآخِر؟ اليوم الذى نشهد فيه الساعة و أشراطها إلى يوم الحساب. و يجب الإشارة هنا إلى الفهم الخاطئ لدى البعض و الربط بين اليوم الآخِر و الحياة الآخرة، إذ أن اليوم الآخر هو من الدنياو ليس من الآخرة. و إنما الآخِر بمعنى الأخير، و لهذا سنجد أن هذا المفهوم كان واضحاً لصحابة رسول الله فهاهو ابن عباس يجيب عندما سئل عن اليوم الآخر، فقال: هو يوم صدره أو أوله فى الدنيا و آخره فى يوم الدين.
و من كتاب الله نجد أنباء لآخر الزمان فهو الذى قال عنه رسول الله لكأن هذا الكتاب العظيم قد نزل اليوم أو بالأمس القريب.و لكن الملاحظ أن رسول الله قد امتنع عن تفسير بعض الآيات بل و نهى الصحابة من سؤاله إياها، و ذلك لأنه لم يكن قد آن أوان تفسيرها بعد فهى خاصة بأهل زمانها هم الذين سيفهمون مدلولاتها، و ما أحوجنا الآن لمن يفك شفرة آيات كتاب الله التى أرسلها إلينا لنهتدى بها، لا لأن نقف عند تفسير السلف و فقط. كل اجتهد حسب معلومات عصره و زمانه. و لا شك أن كثيراً مما كان يكتنفه الغموض من آيات الله قد أصبح فى مقدورنا فهمه فى ضوء معلومات عصرنا و ما كان أحد يستطيع فهمه من أهل زمان سالف.
و لعل هذا ما يفسر سبب امتناع الرسول من تأويله. و لو حدَّث به رسولنا الكريم لكان موقف أهل زمانه منه هو التكذيب فهو فوق استطاعة عقولهم و هو ما قد حدث بالفعل عندما حدث رسولنا الكريم ليلة أسرى به لبيت المقدس فقد ارتد عن الإسلام الكثير و من ثبت منهم لم يكن عن حق الفهم بل هو من باب التصديق للرسول كما قال الصديق "إن كان قال فقد صدق". أما نحن الآن إن قلت لك لقد سافرت من مكة إلى القدس ليلاً فلا وجه للغرابة، كذلك هناك آيات فى كتاب الله ما زالت تحتاج فهم معاصر و خاصة ما امتنع عن تفسيرة رسول الله. و إلا فما معنى قول الرسول "هذا الكتاب لا تنقضى عجائبه" أو "هو كتاب لكل زمان". فلا يتحقق ذلك إلا بأن يأتى العلماء بفهم جديد لهذه الآيات لأهل زمانه يبينون لهم ما خفى على من قبلهم و يكونوا بحق علماء ورثة أنبياء فهذه هى رسالتهم الحق و إلا كانوا معطلين لكتاب الله. و لعل ما يؤيد هذا الرأى حديث عبد الله بن مسعود عن الرسول "نضر الله أمرءاً سمع منا شيئاً فبلغه كما سمعه فرب مبلَّغ أوعى من سامع"، فها هو رسول الله يشير إلى أن التابعى قد يكون أوعى و أفقه من الصحابى و هذا ينطبق على أجيال تأتى من بعدهم، ففهم آيات الله هى رزق منه لمن يصطفيه الله من عباده.
و قد يدعى البعض أن كبار الصحابة امتنعوا عن تفسير الآيات التى امتنع الرسول عن تفسيرها مستتشهدين بحادثة عمر بن الخطاب مع عبد الله بن صبيغ التميمى عند سؤاله عن معنى الذاريات ذروا.
قال: هى الرياح و لولا أنى سمعت رسول الله يقوله ما قلته.
قال: فأخبرنى عن الحاملات وقرا.
قال: هى السحاب و لولا أنى سمعت رسول الله يقوله ما قلته.
قال: فأخبرنى عن الجاريات يسرا.
قال: هى السفن و لولا أنى سمعت رسول الله يقوله ما قلته.
قال: فأخبرنى عن المقسمات أمرا.
قال: هى الملائكة و لولا أنى سمعت رسول الله يقوله ما قلته.
أما عند سؤاله عن (المرسلات عرفا و النازعات غرقا)
قال عمر اكشف رأسك فأذا له ضفيرتان، فقال: و الله لو وجدتك محلوقا لضربت عنقك. وأمر بجلده مائة جلدة و كتب إلى موسى الأشعرى بحبسه و منع الناس من مخالطته، فلم يزل كذلك حتى أتى أبا موسى، فحلف بالأيمان المغلظة ما يجدفى نفسه ما كان يجدشيئا، فكتب فى ذلك إلى عمر، فكتب عمر ما أخاله إلا قد صدق فخل بينه و بين مجالسة الناس. و لكن السؤال فيما كان من عمر فى الرد عليه عند سؤاله عن الذاريات و المرسلات و الجاريات و المقسمات و ما باله قد أمر بجلده ثم بحبسه عند سؤاله عن المرسلات و النازعات؟ تلك كانت حكمة عمر فى عصره، فبحكمته أدرك أن هذا مما سكت عنه الرسول لأن تأويله لم يأت بعد، و يبدو أن عمر قد أحس شيئاً فى نفس صبيغ أو أراد أن يشكك المسلمين فى دينهم أو شك أنه ينتمى لأحد الجماعات التى تتربص بالإسلام و التى كانت علامتها حلق الرأس، فلذلك أمر بجلده حتى يتوب إلى الله و منع الناس من مجالسته حتى لا يسبب فتنة لأهل زمانه. أما لو كان عمر بين ظهرانينا الآن و نحن نعيش عصر أمارات القيامة أكان سيعطل كتاب الله إذا ما وجد مطابقة أشياء أو أحداث واضحة مع آيات الكتاب الحكيم خاصة ما امتنع الرسول عن تفسيره؟
و عن تفسير النازعات غرقا و التى هى آية قد تجسدت فى زماننا ما كان لأحد من المفسرين الأوائل من جيل الصحابة أو التابعين أن يدركوه، فمرة فسروها على أنها الملائكة التى تنزع النفس و ما أدرى ما معنى غرقا إذاً، و منهم من فسرها بأنها النفوس التى تنازع الموت ثم تشعر و كأنها تغرق فى النار و ما أدرى ما الحاجة لهذه الكناية خاصة أن الله عز و جل قد ذكر فى كتابه الحكيم عشرات الآيات التى تخاطب النفس بشكل مباشر كما جاء فى الجزء الثانى من هذا الكتاب. أما النازعات غرقا فهى إحدى المكتسبات التكنولوجية فى عصرنا الحديث، و كل ما جاء من بعدهم من تفسيرات كان اجتهاد حسب المتاح فى زمنه. و مما ساعد على ضياع معنى آيات آخر الزمان قلة الوعى باللغة العربية من ناحية و الخطأ اللغوى فى تسمية مستحدثات عصرنا من جهة أخرى، خاصة أن معظمها مخترعات أجنبية و ما يتم هو ترجمة للإسم الأجنبى فقط و ليس تعريب. أما فى القرآن الكريم فالتسمية تأتى لتصف طبيعة الشئ و لتعبر عن الخاصية الذاتية للشئ. بعد هذا التمهيد نعود للقسم بإحدى آيات آخر الزمان (و النازعات غرقا) و لنبدأ بتعريف النزع فى لغة العرب يعرف بنزع الماء من قاع البئر إلى أعلى بواسطة دلو بالقوة و من ثم فمعنى النازعات غرقا هو ما يستطيع منازعة الغرق و نزع نفسه من القاع إلى الأعلى بالقوة، فماذا يمثل هذا الوصف من مكتسبات عصرنا الحالى؟ فقط دع عقلك يطابق هذا الوصف اللغوى الموجز مع خاصية ذاتية لأحد منجزات العصر الحديث و لكن لا تدع مسمياتها التى سماها الإنسان تسجن أفكارك! هل علمت ما هى؟ إنها ما نسميه الغواصة هى الآلة التى تنازع الغرق و تستطيع نزع نفسها بقوة من القاع إلى السطح، أما عن تسميتها بالغواصة فهو لا يعبر عن حقيقتها الذاتية أو عن غرض صنعتها. إذ أن الأشياء ذات الكثافة العالية تغوص تلقائياً للقاع و ما كان غرضها الغوص بل غرضها الإمتناع عن الغرق. هل رأيت كيف يمكنك تفسير الآيات القرآنية الدالة على اليوم الآخر فى ضوء معلوماتك المعاصرة؟ فهذه الآيات رسائل موجهة لإنسان هذا الزمان فهو المعنِى بها و هو الذى سيعاصرها. هل تظن أن يترك الله عباده الصالحين فى هذا الزمان دون توجيهه و رعايته، لا و الله لن يكون. بل و سيختار من عباده العلماء من يكونوا بحق ورثة الأنبياء و يفسروا للناس ما خفى عليهم و ما خفى على من سبقهم من المفسرين.
و ما دفعنا دفعاً للكتابة عن أنباء آخر الزمان هو فضح أمر أعداء الله و تنشيط ذاكرة الأمة و إحساسنا بتقارب الزمان و دخولنا فى المرحلة الأخيرة، و لأهمية معرفة الناس بأخبار هذه الفترة كما أنبأنا بها الله فى آيات الكتاب الحكيم و على لسان رسوله الكريم و هذا ما يؤيده حديث حذيفة بن اليمان "هذه فتن قد أطلت، كجباة البقر، يهلك فيها أكثر الناس، إلا من كان يعرفها من قبل ذلك". و لنبدأ معاً الإبحار فى كتاب الله و نرى ما أخبرنا به الله عز و جل عن أنباء آخر الزمان و نحقق الغاية من كتاب الله ألا وهى الاسترشاد به و اتخاذه كدليل و موجه.
من الملاحظ أنه على قدم العلوم الإسلامية الخاصة بأشراط الساعة و اليوم الآخر إلى أن الكثير من المصطلحات مازال يكتنفها الغموض و أحياناً اللبس. و من أقيم ما قرأت فى هذا الباب موسوعة باسم "القيامة الصغرى على الأبواب" و كان منهج الكاتب أنه وضع تعريف محدد و واضح لمصطلحات اليوم الآخر و الساعة و القيامة و أيضاً مصطلحات الأشراط و الآيات و العلامات و الأمارات ففك الكثير مما اكتنفه اللبس. كما أنه سلك منهج علمى واضح و سليم و هو منهج المطابقة أن اتخذ من المدلول اللغوى لآيات الكتاب الخاصة بأحداث آخر الزمان، و التى سكت عنها رسول الله لأن تأويلها لم يحن بعد، ما يطابق واقعنا الحالى مما وصلنا إليه من تقدم علمى و تكنولوجى و أسلوب أخلاقى و قيم حضارية. و على هذا قسم أحداث و مراحل اليوم الآخِر إلى ثلاثة مراحل تبدأ كل مرحلة بنفخة فى الصور:
نفخة الفزع: و هى القيامة الصغرى تنبئ ببدء نهاية الدنيا و هو الذى يطلق عليه يوم الفزع أو يوم التناد و فيها زلزال عظيم يهز أركان الأرض و أحداث يموت فيها معظم الناس ليسوا جميعاً و هى شبيهة بما حدث لقوم لوط و عاد و ثمود. و هذا ما أتوقعه عام 2012 لحظة الخسوف.
نفخة الصعق: و هى القيامة الوسطى بها تقع الساعة و هى تكون على شرار الناس الذين هم كل أهل الأرض يومئذٍ يموتون فيها جميعاً نتيجة الصيحة أو الصاخة أو القارعة.
نفخة البعث: و هى القيامة الكبرى و فيها يكون الخروج من القبور و النشور يحيى الله فيها الموتى، ثم يكون يوم القيامة الكبرى أو الطامة الكبرى أو يوم الجمع أو يوم الدين أو يوم الحساب. و هو الذى يجمع فيه الأولين و الآخرين فى انتظار إقامة الموازين و بدء الحساب ثم يأتى يوم الخلود فيدخل أهل الجنة الجنة فى عليين و يساق أهل النار إلى النار فى سافلين.
و أيضاً اعتمد الكاتب فى منهج المطابقة على المدلول اللغوى الواضح و السليم للألفاظ الواردة فى القرآن الكريم الخاصة بأحداث آخر الزمان معتمداً على أن ألفاظ اللغة العربية ليس فيها مترادفات متطابقة فى اللغة و من ثم فإن الأربع مصطلحات الدالة على الساعة: الأشراط و الأمارات و العلامات و الآيات ليست مترادفة، بل يشتركون فى جزء من المعنى و يختلفون فى جزء آخر. و على هذا نقد الكاتب تقسيم العلامات الصغرى و الكبرى نقداً موضوعياً و وضع تقسيم جديد
الأحداث البعيدة (الأشراط): و هى التى تسبق الساعة بوقت طويل نسبياً، و الشرط هو الذى يتوقف مجىء المشروط على حدوثه أولاً. و أول الأشراط قد بدأت ببعثة النبى. و قد ورد لفظ أشراط مضافاً للساعة فى القرآن الكريم
{فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ}محمد18
و المقصود بهذه الآية هى بعثة نبى آخر الزمان الذى أتم به الدين للعالمين.
الأحداث القريبة: و هى التى تسبق الساعة بوقت قريب نسبياً، و قد أوضح الكاتب أقسامها الثلاث و كلها علاقات شرطية و لهذا فهى تتفق مع الأشراط و لكنها قريبة نسبياً من الساعة، كما أنه أوضح أن فيما بينها- أى الأحداث القريبة-أوجه اتفاق و اختلاف، و جاءت كالآتى:
الأمارات: ورد لفظ الأمارة فى حديث سؤال جبريل للمصطفى عن الإسلام و الإيمان و الإحسان و الذى جاء فى آخره سؤال جبريل فأخبرنى عن الساعة؟
قال: ما المسئول عنها بأعلم من السائل.
قال: فأخبرنى عن أماراتها.
و فى حديث الذئب حدث الرسول بأحد أمارات الساعة إذ قال إنها أمارة من أمارات بين يدى الساعة، قد أوشك الرجل أن يخرج فلا يرجع حتى تحدثه نعلاه و سوطه ما أحدث أهله بعده ( أى بعد خروجه).
و الأمارة تجمع عدة عناصر الموعد و يدل على شدة القرب من حدث ما، و هو العلامة أو الدليل على وقوع حدث ما، و هو العجب بحدوث شئ غريب. و على هذا فالأمارات هى أمور عجيبة يمكن أن تكون من المخترعات و هى تسبق عصر الآيات و تدل عليه و هى أحوال و سمات حضارية بشكل عام و ظواهر خلقية و اجتماعية بشكل خاص.
العلامات: {وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ} قال الحسن وقتادة وسعيد بن جببر: يريد القرآن؛ لأنه يدل على قرب مجيء الساعة، أو به تعلم الساعة وأهوالها وأحوالها. وقال ابن عباس ومجاهد والضحاك والسدي وقتادة أيضا: إنه خروج عيسى عليه السلام، وذلك من أعلام الساعة. لأن الله ينزله من السماء قبيل قيام الساعة، كما أن خروج الدجال من أعلام الساعة. وقرأ ابن عباس وأبو هريرة وقتادة ومالك بن دينار والضحاك {وَإِنَّهُ لَعَلَمٌ لِلسَّاعَةِ} (بفتح العين واللام) أي أمارة. و لهذا فالساعة لها علامات، و هى مما يصاحب الأمارات أو الآيات فى الزمان و هى بين القيامة و الساعة كالأمارات لكنها تدل على أحداث تاريخية غير متكررة أو بشخصيات معينة مرتبطة بحدوث فتنة و كلها من أحداث آخر الزمان.و على هذا فهى مصاحبة للأمارات لكنها غير متكررة فإن كانت متكررة فهى من الأمارات. و إن كانت بعيدة فهى من الأشراط.
الآيات: ورد لفظ آيات مضافاً للساعة فى حديث الآيات (إن الساعة لن تكون حتى تكون عشر آيات ...).
و الآيات أيضاً بمعنى الدليل أو العلامة و هى أيضاً تعبر عن إعجاز، فهى تدل على معنى الشرط و العلامة و الأمارة و لكنها تحتمل أيضاً أنها مخالفة للسنن و النواميس أى فيها كسر لقانون كونى. و الآيات هى عشر جاءت كالآتى خسف بالمشرق، خسف بالمغرب، خسف بجزيرة العرب، ظهور الدجال علانية مدعياً الألوهية، نزول المسيح عليه السلام، خروج يأجوج و مأجوج، الشمس تخرج من المغرب، خروج الدابة، دخان من السماء، نار تخرج من قعر عدن.
بعد هذا التمهيد استطرد الكاتب ليوضح لنا أمارات الساعة المذكورة فى القرآن و فى ضوء ماء جاء فى أحاديث الرسول، و العلاقة المطردة لتوسع قدرات الإنسان و سيادته التامة و سيطرته على مقدراته محققاً أحد وجهى استخلافه فى الأرض و هى الخلافة السيادية و لكنه أغفل الوجه الآخر ألا و هو استخلاف العبودية. و لنرى أهم الأمارات التى تحدث بها الله فى قرآنه يفيد هذا المعنى
{حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}يونس 24
و على هذا فإن يوم القيامة الصغرى أوله يكون سرور و فرح و زهو للإنسانية بما حققته من سيادة تامة براً و بحراً و جواً و ينتهى هذا الزهو بنفخة الفزع الأولى فيكون آخره عذاب يهدم و يحصد ما تزينت به الأرض. و هذا ما يتفق مع قول الرسول من سره أن ينظر إلى يوم القيامة رأى عين فليقرأ {إذا الشمس كورت}، {و إذا السماء انفطرت}، {و إذا السماء انشقت}. فهذه السور الثلاث تمثل مسرات يوم القيامة أو أمارات يوم القيامة و هى ما نعيشه الآن فنحن على أبواب القيامة الصغرى بنفخة الفزع. و التى هى مقدمات لعصر الآيات. و قد و صف الرسول عصر الأمارات الذى نعيش بين ثناياه الآن عند ذكره ظهور الدجال مدعياً الألوهية وقال و لن يكون ذلك "أى ظهور الدجال" حتى تروا أموراً يتفاقم شأنها فى أنفسكم و تساءلون بينكم: هل كان نبيكم ذكر لكم منها ذكرا؟!، و لن يكون هذا حتى تزول الجبال عن مراسيها، ثم على أثر ذلك القبض أى أحداث القيامة الصغرى. و لنعش لحظات مع مسرات (أمارات) يوم القيامة فى السور الثلاث حتى نرى ما هى الأمور المتفاقمات فى أنفسنا. لكل حضارة بذور لنشأتها و مقومات لاستمراريتها و ما نعيشه الآن هو حضارة له أوجه عديدة بدأت باكتشافات بسيطة ثم تسارعت و تفاقمت فى سنوات معدودات حتى أن المعرفة الإنسانية و الذى أدى إلى زيادة القدرة و الفاعلية التى اكتسبها البشر فى القرن الماضى قد تعادل المعرفة الإنسانية على مر عصورها آلاف المرات. فأحد هذه الأوجه كان علم البصريات ثم الميكنة ثم الفضاء ثم تكنولوجيا المعلومات و الإتصالات و لكن الجذور الأساسية لهذه الحضارة هى اكتشاف الكهروماغناطيسية. و كل حضارة قامت نجدها اعتمدت على مصادر للطاقة منذ استخدام الفحم النباتى ثم الفحم الحجرى حتى اكتشاف البترول حالياً و الذى تعتمد عليه حركة الإنتاج العالمية حتى الآن.
و بتطبيق منهج المطابقة الذى سلكه الكاتب و جد الآتى
{إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ}و المقصود هو ضوء الشمس و ليس قرص الشمس و معنى الآية إذا ما استطاع الإنسان تجميع ضوء الشمس و هذا إيذاناً باكتشاف علم البصريات و الألياف و الخلايا الضوئية و الليزر فيما بعد.
{وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ}و الكدر هو منع الرؤيا و معنى الآية أذا ما تعكر الوسط بين الرائى و النجوم المرئية فصعبت رؤيتها و هذا إيذاناً باكتشاف الكهرباء حتى أن المراصد تعد ضوء المدن شوشرة ضوئية و لذلك يبنى المرصد الفلكى فى مركز دائرة نصف قطرها حوالى خمسين كيلومتر يحذر فيها وجود أى مصدر لضوء كهربائى حتى لا يعيق رصد النجوم ليلاً.
{وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ}و سيرت بمعنى تحركت و نقلت و هذا ما نلاحظه فى عمليات النسف و الهدم و الدك و الرصف و شق الأنفاق فى الجبال و نقل ركامها و هذا إيذاناً باكتشاف علم الميكنة و الهيدروليكا حتى أن الولايات المتحدة أصبحت تمتلك حفارات و ناقلات للصخور فى حجم ملعب كرة قدم.
{وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ} و العشار هى الإبل و معناه أن النقل عن طريق الإبل و القوافل سيترك لشئ آخر و هذا ما نعاصره الآن و هو إيذاناً بتطوير حركة النقل و المواصلات و السفر عن طريق السيارات و القطارات و الطائرات.
{وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ}و حشر الوحوش ليس من أحداث يوم البعث إذ أن كل الحيوانات الوحشى منها و المستأنس سوف يحشر، بل هو من أحداث الدنيا. و يعرفه المعاصرون جيداً فمن منا لم يذهب إلى حدائق الحيوان ليرى الوحوش فى أقفاصها فهى من مسرات يوم القيامة و هى أمارة على قرب الساعة. و هى أحد وسائل الجذب السياحى القوية و هذا إيذاناً بسيطرة الإنسان و هيمنته فى الأرض حتى على الوحوش الضارية.
{وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ}و سجرت بمعنى أوقدت، و كما ذكرنا أن بذوك شمس الحضارة مرتبط دائما و أبداً بمصادر الطاقة. و مما لا شك فيه أن مصدر الطاقة لحضارة الإنسان الآن هو البترول الذى هو بحاراً تحت الأرض و القسم هنا أيذانا لإكتشاف الإنسان لهذا المارد الذي ظل محبوساً مئات الألوف من السنين ألا و هو آبار البترول و إيقادها لتقوم أضخم صناعات عرفها التاريخ و تزداد به قدرة الإنسان و سيادته على مقدراته فصناعة البترول هى صلب الحضارة المعاصرة.
{وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ} و الزوج هما جزئين متطابقين. و سنة الله فى خلقه منذ خلق الأرض و من عليها هى الخلق من زوجين ذكر و أنثى. أما الآية تنبئ بأمارة من أمارات الساعة ألا و هى جعل النفس الواحدة اثنتين و هذا إيذاناً بما يعرف بلغة عصرنا الإستنساخ.
{وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْبِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ}نعلم جميعاً العادة البغيضة التى كانت منتشرة فى بعض قبائل العرب و الحضارات القديمة و هى وأد البنات أى دفنها حية و كان ذلك مخافة جلب العار إذا ما فرطت فى عفتها هذا كان من أمر موءودة العرب. أما الآيات تتحدث عن أمارات الساعة فهل يالعصرنا الحالى موءودته؟ و باعتبار الموءودة هنا اسم جنس فالإجابة هى نعم! ألم تنادى مؤتمرات السكان و المرأة التابعة لليونسكو أحد منظمات الأمم المتحدة بإباحة الإجهاض للحد من مواليد الزنا الذى أباحوه أولاً بحجة الحرية. فبعض الدول تبيح الإجهاض ففى كوريا تورد إحدى الجهات المتخصصة 750,000 جنين إلى شركات التجميل الأوروبية لتصنيع كريمات تعطى البشرة نضارة الشباب! و فى بعض الدول التى لا تبيح الإجهاض فهناك إحصائية تشير إلى تزايد جرائم قتل الأجنة تحت الوسائدبكتم أنفاسهم و السبب فى ذلك أن الأبوين و هما غير متزوجين أصلاً لا يريدون الزواج و لا يريدون تحمل المسئولية. فإن كان الوءد قديماً للبنات من فرط العفة الزائدة و هو منبوذ فما بالنا بوءد اليوم الذى هو من فرط التفريط، كم بلغت الأنا من كبر و غلو بداخل إنسان هذا الزمان! و كان هذا قسماً إيذاناً بانحلال خلقى و وصف لحالة مزرية من الإنحطاط سيصل إليها الجنس البشرى و ينادى بها فى مؤتمراته العالمية.
{وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ}و نشر الصحيفة هنا بمعنى التشعب و الإنتشار، و الأخذ بالتأويل القائل أن هذا يكون يوم الحساب يخرج الآية من السياق العام كما أنه لم يرد فى كتاب الله ذكر للصحف فى اليوم الآخر و لو لمرة واحدة بل كان دائماً يذكر لفظ كتاب، قال تعالى
{وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا (13) اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا}الإسراء 13-14
أما المعنى هنا بالصحف المنشرة التى هى من مسرات يوم القيامة التى تنشر و تفضح و تنتشر هى صاحبة الجلالة السلطة الرابعة. التى تقيم ثورات و تفلس شركات و تعلى من شأن الراقصات و تحط من قدر العلماء لا بل الأنبياء. فهذا عصرها عصر أصبح فيه الصوت أشد من السيف كما أخبرنا من لا ينطق عن الهوى، عصر يمسى فيه المرء مؤمناً فيصبح كافراً أو يصبح فيه المرء مؤمناً فيمسى كافراً. و هذا إيذاناً بانتشار و سائل الإعلام التى جعلت من العالم قرية صغيرة. و لتعلم أيضاً فإن الله قد أخبرنا بمن هم المتحكمون فى هذه الأبواق الإعلامية و عن زمنها
{وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا (4) فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا (5) ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا}الإسراء 4-6
لاحظ الدلالة القرآنية للفظة نفيرا.
{وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ} و الكشط هو إزالة الشئ عن السطح و أخذه بعيداً و المقصود به هو تآكل طبقة الأوزون من الغلاف الجوي و الذي يحمى الأرض من الأشعة فوق البنفسجية مما سبب ظاهرة الإحتباس الحرارى داخل الغلاف الجوى و ارتفاع درجات الحرارة نتيجة الإفراط فى الصناعات التى ينبعث منها ثانى أكسيد الكربون. و هذا إيذاناً بتوسع الإنسان فى الإنتاج و زيادة قدرته على التصنيع و لكنها إشارة أيضاً إلى قلة حكمته.
{وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ}قال السدي: أحميت. وقال قتادة: أوقدت. قال: وإنما يسعرها غضب الله وخطايا بني آدم.و هذا أيضاً إيذاناً بكثرة خطايا البشر. و هذا ينفى أن تكون من أحداث يوم الحساب كما يظن البعض بل هو فى الدنيا و للتأكيد على ذلك فهذا حديث لرسول الله يا أهل الحجرات (أى زوجاته) سعرت النار و جاءت الفتن كأنها قطع الليل المظلم، لو علمتم ما أعلم لضحكتم قليلاً و لبكيتم كثيراً. و هذا دليل أن تسعير النار فى الدنيا نتيجة غضب الله وخطايا بني آدم و هذه أمارة لما سيصل إليه الإنسان من مجاهرة بإغضاب الرب.
{وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ}أزلفت بمعنى قربت، و هى ليست هنا من أحداث الآخرة بل هى فى الدنيا و هى غير قوله أزلفت الجنة للمتقين بل هنا هو تقريب للناس كافة و ليس المؤمنين فقط. و مما يدل على ذلك هو جواب الشرط فى الآية التالية (علمت نفس ما أحضرت)و هذا لحظة الموت أى فى الدنيا، و ورود نفس هنا نكرة بدون الألف و اللام يفيد البعض و ليس الكل. و كما هو معلوم أن الله خلق البشر من الأرض فيها معاشهم و فيها مماتهم و منها يخرجون و عليها يحشرون للعرض على الله عز و جل يوم الحساب، ثم لكى يدخل أهل الجنة الجنة لابد لهم أن يعبروا الصراط كى ينتقلوا من الأرض الدنيوية إلى أرض الجنة و هذا يستلزم أن تكون الجنة قريبة من الأرض يوم الحشر و هذا يستلزم أن تكون الجنة قد بدأت من الإقتراب قبل ذلك و لذا فهو تقريب نسبى.و الرأى الآخر أن يكون التقريب عن طريق المراصد و التليسكوبات الفلكية إذا رصد الفلكيون المعاصرون الجنة و هذا ما قيل أنه حدث بالفعل منذ بضع سنوات و لم يستطرد فيه الكاتب و قال أنه سيرجع لهذا فى جزء لاحق.
{عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ} و هذا هو جواب الشرط للإثنتى عشر أمارة، و هذا يحدث أيضاً فى الدنيا و ليس فى الآخرة
{فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ} الخُنَّس صيغة مبالغة من الخَـنـْس، و تدل على كثرة الإختفاء.
{الْجَوَارِي الْكُنَّسِ} الجوارى لشدة سرعتها، و الكنس كسح ما على السطح.
فالخنس الجوارى الكنس ليست النجوم و هذا الرأى قد رفضه بعض السلف لعدم توافر المدلول اللغوى، أما نحن فنقول أن ما جاء فى الأمارات بطول السورة هى أمارات من صنع الإنسان و ليست آيات كونية و لذلك لم ينسب الله عز و جل أى منها لنفسه بل هى أخبار عما سيصل إليه الإنسان باستخلافه فى الأرض و هذا إعجاز غيبى للقرآن. و من ثم فلابد أن يتوفر في هذه الأجسام ثلاث خواص الإستتارة و السرعة و المسح.
و بتطبيق منهج المطابقة على ما استحدث فى عصر الأمارات وجد الكاتب أن المقصود هو الأجيال الأخيرة من الأقمار الصناعية. و لنرى كيفية انطباق هذه الخواص الثلاث على الأقمار الصناعية. الأجيال الأولى من الأقمار و التى تستخدم فى البث لتغطية جزء معين من الأرض تطلق بحيث تستقر فى مدار يرتفع عن سطح الأرض 36000 متر بسرعة تماثل السرعة الزاوية للأرض لتظل فوق محطة الإرسال و هذا لا ينطبق علية خاصية الإستتارة (الخنس)، أما فى حالات أقمار التجسس التى تدور فى مدارات بيضاوية و زمن دورتها حوالى ساعتين أى أنها تختفى و تظهر اثنتا عشر مرة على مدار اليوم الواحد و هذا يوضح لنا مدى سرعة جريانها أما عن الوظيفة فهى تصوير المسطحات فيم يسمى بالمسح الجغرافى و الجيولوجى للأرض مع عملية تحديث للبيانات كل ساعتين، و بذلك تتحقق خواص الإستتارة و السرعة و المسح و هذا ما جاء فى التعبير القرآنى الخنس الجوارى الكنس. و أخيراً أعلنت إحدى شركات الإتصالات الأمريكية عن خطتها لنشر أكثر من سبعين قمراً على ارتفاع 1000 كيلومتر فقط لضمان جودة الإستقبال و الإرسال و هذا يعنى أن كل بقعة على سطح الأرض ستستقبل قمراً مختلفاً كل عشرين دقيقة على مدار اليوم، حتى يصبح أى حدث من أى بقاع الأرض مصوراً و منقولاً لأقصى بقاع الأرض فى نفس لحظة وقوعه، فالتوسع و زيادة الإستطاعة البشرية فى الإتصالات وصلت للحد الذى يمكننا من القول بأن الإنسان قد تغلب على الغيب المكانى و هذا ما نسميه أن العالم أصبح قرية صغيرة أى أنه لم تعد تخفى فيه خافية، أليس هذا ما يصدق فيه قول الله تعالى
{وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلَا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ وَقَالُوا آَمَنَّا بِهِ وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ}فاطر 51-54.
فنفخة الفزع حقت على اللذين كفروا من معاصرينا ممن يقذفون بالغيب بنقل الأحداث من مكان إلى مكان فى لحظات عبر الأقمار الخنس الجوارى الكنس، حقت على الذين هم مستمتعون بإحدى مسرات يوم القيامة و هى تكنولوجيا عصر المعلومات بما لديهم من أقمار للتجسس. و لكن وعد الله حق فانصت إلى قوله تعالى {وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ } ففى لحظة الفزع سيكون هناك شأن آخر ستتقطع كل الإتصالات و تتعطل و هذا ما يعرف بالحرب الإلكترونية فالحرب الآن تبدأ بالشوشرة على الرادارات التى أصبحت فى كل عربة و دبابة بل إن كل جندى مرتبط بقمر صناعى g.p.s فما بالك بحرب الكترونية يشنها الجبار على من تعالى و تتطاول. ستكون حرب الكترونية لم يرى لها البشر مثيل يوم تضعف الأرض مجالها المغناطيسى و تزيد الشمس من نشاطها تخترق الأرض بعواصف إشعاعية كثيفة لم يرى لها مثيل و تتعامد الأرض و الشمس و مركز المجرة فى خط واحد لمشهد خسوف ليس له مثيل منذ 26,000 عام، هؤلاء هم جنود الله فأين تذهبون أو تعالوا بجندكم إن كنتم صادقين. و لا تستغرب أخى القارئ فالشمس و الأرض و الرياح ليسوا مادة صماء كما صورها الغرب بل الكون كله كون حى كل له ادراك و لتستمع لقول الله {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ }فصلت 11. فالسماء بما فيها و الأرض بما عليها جنود لله عز و جل و سيعلم الكافرين.
{وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ} و عسعس الليل أى دخل الليل عشاءً أو بمعنى أدباره فجراً.
{وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ}دلالة دخول أول ضوء الصبح.
و هاتين الآيتين الأخيرتين لهما ارتباط وثيق بالأقمار الصناعية أو الخنس الجوارى الخنس إذ أنهم بدورانهم حول الأرض يشهدون عسعسة الليل فى مناطق الأرض المظلمة ثم تجتاز منطقة الظل لتشهد تنفس الصبح و يتم هذا حوالى اثنتا عشر مرة فى اليوم و هو غير المعتاد، فهو أحد عجائب مسرات يوم الفزع.
و لقد أفرد الله عز وجل لهذه الأمارة أربع آيات بعد جواب الشرط لشد الإنتباه لهذا القسم الأخير و هو آخر عصور الزخرف و التزين و المسرات عصر تكنولوجيا المعلومات، ثم تكون نفخة الفزع و أحداث القيامة الصغرى.
{إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ } و المقصود بالقول هنا جبريل، و يذكره عز و جل بقوته فهو ملاك العذاب و الهلاك للكافرين. و نلاحظ أن هذا فيه إشارة لأهل عصر تكنولوجيا الأقمار الصناعية بألا تغركم قوتكم، خاصة بذكره فى الآيات القادمة بأنه بالأفق و هو الذى تملأه أقماركم فهذا فهذا إنذار لأهل عصر الفضاء.
{وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ وَلَقَدْ رَآهُ بِالأفُقِ الْمُبِينِ وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ إِنْ هُوَ إِلا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ وَمَا تَشَاءُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ }
و الرسالة هنا لها شقين الأول موجه لمن هم معاصرين لزمان رسول الله و يؤكد فيها عز و جل هنا و يصدق على قول نبيه الكريم فيما يبلغ عن جبريل عن رب العزة الذي يُطلِع من يشاء من رسله على غيبه. بل أنه يخبر بأحداث جلل فى آخر الزمان و ليس هو كلام الكهان عبدة الشيطان عن المستقبل، بل هو ينبأكم بما سيكون من أمور ما كانت تخطر على بال أحدكم و هو ليس بكلام من يهزى. أما الرسالة الثانية و هى شديدة اللهجة لمعاصرى هذه الأحداث و مضمونها ألا تغتروا بما أصبحتم عليه من سيطرة و امتلاك فهو بعلم الله المسبق و بإذنه ليس رغماً عنه و لهذا أرسل ذكره على لسان نبيه دليلاً على صدقه و لتكون عظة لمن أراد الهدى من أهل هذا العصر، عصر أمارات الساعة.
و ها هى أمارات عصر المسرات قد تحققت جميعاً تنبئ بقرب نفخة الفزع.
{فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكَ تَتَمَارَى هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولَى أَزِفَتِ الْآَزِفَةُ لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا}النجم 55-62