الحمد لله لرب العالمين
أخي الكريم عمري ليس كل دعوة دعوة شركية وانما الدعوة يفهم بمعناها الحق
فلقد حدث لك خلط وتوهم في فهمك للآية التي أوردتها في سياق حوارنا فهناك
من الدعوة ما يأتي معناها تعبديا كقوله تعالى ( ادعوا ربكم تضرعا ) الآية
ومن الدعوة ما يرد في معناها كطلب من القوم لنبي زمانها كقول الله تعالى
( ادع لنا ربك يبين لنا ماهي ) الآية ، وهناك من الدعوة ما يأتي معناها
الشركي كقوله تعالى ( قل ادعوا الذين زعمتم ) الآية ، أو قوله تعالى (ادعو شركاءكم ) الآية
ومن الدعوة ما كان في معناها الدعوي كقوله تعالى ( ادع الى سبيل ربك بالحكمة ) الآية
اذن يتعدد المفهوم الواسع للدعوة ، فاذا كان في صيغة طلب من قوم لنبي زمانها
فهذا لا يدخل بتاتا في نطاق الشرك .
أما الدعوة أو الدعاء في معناه التعبدي كالايمان والتضرع والاخلاص لله فيفهم
في سياقه الصحيح وأظن أن هذا ما جعلك تخلط بين دعوة طلب من قوم لنبي زمانها
بقول الله تعالى ( ولما وقع عليهم الرجز قالوا ياموسى ادع لنا ربك بما عهد عندك لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك ولنرسلن معك بني إسرائيل * فلما كشفنا عنهم الرجز إلى أجل هم بالغوه إذا هم ينكثون ) الآيتان ، فوردت الدعوة في صيغة طلب
حيث استجاب الله لطلبهم بما عهد لنبيه على أن يؤمنوا لكن نكثوه بكفرهم واستكبارهم
وبين دعوة تضرع كما ذكرت في سياق حوارك عن الدعوة المدخرة ليوم القيامة ، ولا توافق بين أوجه المقارنة فيما ذكرتم
للتفصيل فيما يجوز وما لا يجوز ، وأعلم أخي عمري أن مكرمات هذه
الأمة كثيرة ورسول الله تعالى له المقام المحمود ووعده الله تعالى أنه سوف يعطيه
فيرضى والمكرمات للأنبياء والشهداء والأبرار والصالحين وآخرون لا تعلمهم
الله يعلمهم ، ولقد تحدث الرسول صلى الله عليه وسلم عن قوم ليسوا بأنبياء ولا
شهداء يبعثوا على منابر من نور وهذا من فيض مكرماته ، فلا تحجر فهمك
واجعله متسعا لخزائن هذه المكرمات بسعات رحمة الله تعالى
واعلم أخي عمري أن نية القصد في الاعتقاد وحسن الظن بالله يتحدد في دار الدنيا
ويكون بصدق العزم والنية السليمة الصافية على أن يلقى العبد ربه بقلب سليم معافى
كما ورد في أحاديث نبوية شريفة عديدة تتوافق بالحق مع محكم آيات الكتاب
قال تعالى ( ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق
بما لايسمع الا دعاء ونداء صم بكم عمي فهم لا يعقلون ) الآية ، وسأبين لك بالحق تأويلها
فداعي الكفار للايمان لا يفيد دعاؤه بسبب استكبارهم وعتوهم ، وفي الآية تشبيه الذين
كفروا ببهائم وما أكثرهم في زماننا ، فيكون التقدير ، مثل الذين كفروا كمثل بهائم
تنعق لأنها لا تسمع الحق باخلادها لما هي فيه من العمى والضلالة ، ولا تتأمل ما يتلى عليها
مما ينفعها وزادهم تقبيحا قوله تعالى ( صم بكم عمي فهم لا يعقلون ) الآية ، فمن كانوا في هذه
المنزلة لا يستجيبون لما دعوا اليه ، واعلم أخي عمري أن الله علي حكيم ، فهذا سيد البشر
أمره الله أن يقول للمرسل اليهم ( قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا الا ما شاء الله ) الآية
أفبعد هذا البرهان برهان يا أخي عمري ؟ وهذا خليل الله ابراهيم الحنيف قال بقول الله تعالى ( وما أملك لك من
الله من شيء ) الآية ، فالمعبودات الباطلة وما أكثرها في زماننا لا تملك كشف الضر
ولا تحويله وبأنها لا تملك الشفاعة وبأنهم لا يملكون موتا ولا حياة ولا نشورا ولا يملكون
مثقال ذرة ولا يملكون من قطمير ، وقولنا بالحق أن الله يريد أن يحق الحق بكلماته وأنه سبحانه
لا يقبل الا العمل الخالص ولا يقبل الله مع الشرك عملا وان كان نافعا للمجتمع لأنه كالشجرة
التي اجتثت وقطعت من فوق الأرض وكل عهد وكل ميثاق يذكر فيه الله كان الله كفيلها
وشاهدها ورقيبها حتى نلقاه تعالى .