الحمد لله رب العالمين
يأ أخي عمري وكأنك تريد أن تحجر على فهمنا بفهمك الضيق وتمنع أن تصلنا براهين الحق
وليس بعد الحق الا الضلال فأي مقاسمة تتحدث عنها ونحن جميعا عبيد الله سنمثل بين يدي
الرحمن الذي اليه الرجعى فلا تخلط فهمك بظنونك القاصرة فالغايات والمقاصد جميعا تجعلنا
نثق في رحمة الله ويكفي أننا سنمثل بين يدي الرحمن الذي له الرحمة الشديدة والحكمة البالغة
واللطف الشديد بعباده ، فأحسن توجهك في دنياك وثق في رحمة أرحم الراحمين فيسلم قلبك
من كل النوازع التي تمنع عقلك من معرفة أن الله علي كبير في شأنه وقدره ، واعلم يا أخي عمري
أن الله تعالى ينتهي اليه كل خير ولن يخيب من كان سعيه أطهر فهو الواسع برحمته يقربهم
اليه بتوفيقه ويفتح لهم من أبواب فضله ورحمته ولن يخيب من صلح من عباده وكان موقنا وأتاه
بقلب سليم ، فما الذي ينزع بك أن تدخلنا في متاهات السفسطة فتنكص فهمنا عن عظيم ملكوت
من الرحمة ، ألم تقرأ ما أعده الله لعباده الصالحين ومتقيه من قرة أعين ومن مكارم ، فلا تقيد فهمنا
وتحجره فالأرواح ألهمت بشاراتها لعظيم فضل الله ورضوانه ، فابتغاء الرضوان من أجل
الغايات حبا وطهرا بنعت تحصيل علوم الآزال والآباد وفيه دليل على أن السعادات الروحانية
أعلى وأشرف وأجل والرحمة ، ويا أخي عمري اتق الله فأنت تحدثت عن فهم شمولية الخطاب
الذي يفصل بعضه وبعضه وأنت لم تفقه بعد ما حقيقة اسم الله الأعظم ، فابتغاء الرضوان روح
وريحان واسترواح للأرواح ومن العبادات العرفانية بمعرفة عظيم فضل الله وقدره
والله تعالى بشر عباده المتقين من غير واسطة عظيم صفة الرضوان بنعت تحصيل علوم الأزال
والآباد و معرفة قدره العلي الكبير ، فبين لنا من نور الكتاب ان كان لديك علم أن هذه الصفة
ليست صفة لله تباركت أنواره ، فالرضوان يا أخي عمري هو صفة الرضا الشديد من الله تعالى على عباده الذين
جاهدوا في اخلاصهم بيقين غامر والذين تصلهم أنواره المشرقات الزكيات التي زكت أرواحهم
فانف ان استطعت النفي لأنوار الحق من هذا الخطاب الذي غمر أرواحنا ان كنت حقا طالبا وراغبا للحق
واعلم أن هذه الصفة الرضوانية هي من صفات الرحمة ولا تليق بعزها وجمالها الا بالله عز وجل ذو المكارم وذو
أنوار الحكمة واللطائف والمحامد ، وهذه الصفة جعلها الله موصولة بمحبته لعباده لأنه تعالى متى أحبك أشهدك
نعماءه ونعيمه وبذلك فهو متعرف على عباده بتعرفاته حاضر وهم يبتغون فضلا منه ورضوانا فأصبحوا
بمحبتهم مستغرقين في شهود جنات صفاته واسمه النعيم الأعظم من رضوان نفسه وذلك لمن تحقق
من معرفة موصولة بمحبتة مستقرءا اياها في آيات محكمات فغمرهم بأنوار التأييد برحمته خشوعا
لما أنزله الله من حق في كتابه المبين فجاهدوا خير جهاد ، قال الله تعالى في محكم كتابه العزيز
( وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون) الآية
وانها لعبادة متحققة في بحر هذا النعيم لمن بلغ سمو الدرجات في معرفة قدر ربه ، وكانت حكمة الله
بالفتح في قدر معلوم كما أن الى الله المنتهى في بلوغ أسمى الدرجات تحققا وانه البلوغ المزكى لمن
سعا سعي الصديقين المجاهدين المحبين لله ورسوله الطاهرين المقربين الشاهدين بالحق عرفانهم
وعبادتهم من طعم الرضوان وجدوا طعمه ونعيمه فسعوا مجاهدين موفقين الى مرضاة الله ومن يطيق
أن يسمع بشارته ولا يهيم بلذة خطابه وجدوا طعم عبادتهم بكشفه لهم صفة النعيم وأنا لا أعرف لنفسي
فضل على أحد من المسلمين يبين بصدق الصادقين وسعا وتدبر ونفع الناس بعلمه ولا ينفي علم علما
الا بعلم خير منه في هذه المعرفة المتحققة ، فالرضوان مبدأ كل سعادة وابتهاج وكرامة وسرور وهو
غاية المحبين ومنتهى أمنية الراغبين كما أنه مبدأ كل سعادة وابتهاج وكرامة وسرور وهو غاية
المحبين ومنتهى أمنية الراغبين وهؤلاء أحبط الله أعمالهم لأنهم اتبعوا ما أسخط الله وكرهوا
رضوانه كما أن المنتهى في كل غفران هو الرضوان بقوله تعالى ( ومغفرة من الله ورضوان ) الآية
والمنتهى في كل نعيم وفوز رضوان من الله أكبر لذا كانت المنافسة في القصد والغايات نستدركها من
قوله تعالى (ليوفيهم أجورهم ويزيدهم ) وقوله تعالى ( نوف اليهم أعمالهم فيها ) الآية ، فاذا بلغوا في منافستهم
درجات نقرأ قوله تعالى ( الا احسانا وتوفيقا ) الآية ، وقوله تعالى
(وسنزيد المحسنين ) الآية ، وقوله تعالى ( للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ) الآية ، وما ظهرت صفات المحبوب الا بوده
الذي جعله في قلوب مغمورة محسنة وصادقة ، ومن قرأ سورة الليل بكل تدبر مستلهما حكمتها سيجد
أنه بتدقيق تحقيق علمه تعالى بحكمته ورحمته ولطفه أن الله يريد لنا الخير والرحمة ولطفه شديد بنا
وذلك لعظيم قدره وأنه سبحانه علي كبير وأن عملهم لا يكافئ ما وهب الله من نعم وأن الأشياء
قائمة برحمته تعالى ، وتعالى الله عن كل شائنة لا تعرف قدره المبارك والمزكى ، فحرف اللام في
قوله تعالى ( ولسوف ) انما ذكره المولى لتحقيق الوعد في المستقبل واللام ابتداء لتأكيد الخبر
وقوله تعالى ( ولسوف يرضى ) وعد بالثواب الجزيل لمن عرف قدره وسعا يبتغي وجهه بعزم
وصدق ومحبة ، وهذا ليعد من جوامع الكلم في الآية المذكورة
لأنها يندرج تحتها كل ما يرغب الراغبون والطالبون والهائمون في محبته والابتغاء المذكور
في السورة الكريمة هو الطلب في معرفة قدره وذاته العلية لأن ما انتهت اليه السورة الكريمة
هي من الارضاء وجوامع الكلم ، فأي شمولية أو مقاسمة تريد أن تذكرنا بها بفهمك الضيق
وليستسغ سمعك أنوار هذا الخطاب فيتهذب يقينك فتعرف ما لله الرحمن الرحيم مالك يوم الدين
من قدر عزيز ومبارك يوم لا ينفع نفس عن نفس شيئا :
وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِن دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ
مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُواْ اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ
إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ
قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ
لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
وتأمل ضعف ما تأملت قوله تعالى :
قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ
واعلم يا أخي عمري أن الامام ناصر محمد اليماني وأنصاره الكرام يحبون
الله ورسوله ولا يشركون بعبادة ربهم أحدا ، ولا يتخذون من دون الله أندادا وأقسموا على ذلك
حتى يلقوا الله تعالى وهو عليم بما في نياتهم ، جهادهم المبارك والمزكى اجماع أمر المسلمين
وقلوبهم وجمع كلمتهم والاحتكام الى كتاب الله تعالى ، غاياتهم المزكاة هي رضوانه تعالى
وليفعل الله بهم ما يريد أو ليس لله الأمر من قبل وبعد وهو الذي بين بالحق ما لأهل محبته
من فضل ، فلا تنكر ما لم يستسيغه فهمك الضيق لأنوار الحق من الكتاب ، زيادة أذكرك بشيء
جد مهم لعل فهمك يستسيغه ، فهؤلاء الذين اختلفوا أتظنهم على حق وكل حزب بما لديهم
فرحون اتكاليون ينتظرون أن يأتيهم مهدي موافق لأهوائهم وذلك لأنهم لم يسترشدوا بفوائد
العزم نورا من الكتاب ، فما أكثر علماء الملالي والسلاطين وما أكثر من رضعوا من فهمهم
المقلد والله تعالى وهبهم عقولا ليتدبروا أنوار الحق نورا من الكتاب ، أفلا يسترشدوا بالحق
ويجمعوا كلمتهم باتباع أحسن ما أنزله الله نورا من الكتاب ويعقدوا عزمهم على الصدع
بكلمة الحق في وقت وظرف عصيب بفتنه التي تنخر جسم هذه الأمة المكرمة والمرحومة .