الإمام ناصر محمد اليماني
08 - 09 - 1433 هـ
27 - 07 - 2012 مـ
09:56 صباحاً
ـــــــــــــــــــــ
فتوى القرض من البنوك الإسلاميّة التجاريّة والبنوك الربويّة، والفرق بينهما كالفرق بين الحقّ والباطل ..
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على جدّي محمد رسول الله وآله الأطهار وجميع المسلمين إلى يوم الدين، سلامُ الله عليكم ورحمة الله وبركاته أحبتي الأنصار السابقين الأخيار، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، وسلامٌ على المرسلين والحمد لله ربّ العالمين، أمّا بعد..
فكم وردت إلينا رسائل خاصّة وعامة عن طلب الفتوى في أخذ القرضِ من البنوك، ومن ثم نفتي بالحقّ، حقيق لا أقول على الله إلا الحقّ:
إن المستهلكين ليس عليهم وزرٌ شيئاً، وما ينبغي لله سبحانه أن يزيد العبد ظلماً إلى ظلمه، سبحانه! ولا يظلم ربك أحداً. وإنما الإثم على الذين يربون في أموال الناس ثم لم يتوبوا. وقال الله تعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّـهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَن جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىٰ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّـهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَـٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴿٢٧٥﴾ يَمْحَقُ اللَّـهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّـهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ ﴿٢٧٦﴾ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴿٢٧٧﴾ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّـهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ﴿٢٧٨﴾ فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّـهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ ﴿٢٧٩﴾} صدق الله العظيم [البقرة].
والسؤال الذي يطرح نفسه: فهل المخاطبين هنا هم المستفيدون أم المستهلكون؟ والجواب في محكم الكتاب في قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّـهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ﴿٢٧٨﴾ فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّـهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ ﴿٢٧٩﴾} صدق الله العظيم [البقرة].
ويتبيّن لكم أنّ الخطاب موجَّه لمن كان لهم دين الربا ولم يخاطب الذين عليهم الدين بالربا، بل يخاطب الذين لهم دين الربا. وتعلمون علم اليقين أنه يخاطب الذين يربون في أموال الناس من خلال قول الله تعالى: {وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ} صدق الله العظيم. ومن ثم تعلمون علم اليقين أنّ الخطاب موجه للذين يربون في أموال الناس ونهاهم الله عن ذلك، وقال لهم بأنّ لهم رؤوس أموالهم فقط فلا يظلموا بطلب زيادة الربا ولا يظلمه المستهلك فيردّ إليه حقاً منقوصاً، بل يردّ إليه رأس ماله الذي اقترضه منه.
وتبين لكم بالحقّ أنّ الخطاب من الربّ في محكم الكتاب موجَّه لأصحاب الربا الذين يربون في أموال الناس ونهاهم الله عن طلب الزيادة، وإن أبَوا إلا أخذ الزيادة فتوعدهم الله بحربه حتى يمحق أموال الربا من بين أيديهم. تصديقاً لقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّـهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ﴿٢٧٨﴾ فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّـهِ وَرَسُولِهِ ۖ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ ﴿٢٧٩﴾} صدق الله العظيم [البقرة].
وأمّا الذي عليه الدَّين فظلمَه الغنيُّ وأراد منه زيادةً على المال الذي أعطاه؛ فهل يعقل أن يزيده الله ظلماً إلى ظلمه فيحاسبه على الزيادة وهي ليست له بل فرضها عليه صاحب الربا؟ ما لكم كيف تحكمون؟
وأشهد لله شهادة الحقّ اليقين أتحمّلُ مسؤولية فتواها بين يدي الله بأنّ وزر الربا ليس على المحتاجين أصحاب القرضِ من الوزر شيئاً؛ بل على أصحاب ربا الزيادة؛ بل يدافع الله عن المظلوم ويطلب أن تُنْظروه إلى ميسرةٍ من غير زيادة، وأمر الله الذين لهم المال بالتوبة عن الزيادة وإن لم يتوبوا واستمروا بأكل أموال الناس بالباطل فتوعدهم الله بحرب من عنده حتى يمحق أموالهم. تصديقاً لقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّـهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ﴿٢٧٨﴾ فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّـهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ ﴿٢٧٩﴾ وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَىٰ مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴿٢٨٠﴾ وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّـهِ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴿٢٨١﴾} صدق الله العظيم [البقرة].
فانظروا لقول الله تعالى: {وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ} صدق الله العظيم، وتبيّن لكم أنّ الخطاب والتهديد والوعيد بحرب الله هو للذين لهم الحقّ فأمرهم الله أن يكتفوا بردّ رؤوس أموالهم فلا يظلمون من عليه الحقّ بطلب زيادة على ما عنده من الحقّ فذلك ظلمٌ، فكيف يزيد الله المظلوم ظلماً؟ بل ينصف الله له من ظالمه. وقال الله تعالى: {يَمحَقُ اللهُ الرِّبَا وَيُربِي الصَّدَقَاتِ وَاللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ} صدق الله العظيم [البقرة:276].
وأمّا الذين طُلب منهم أضعاف ما عندهم من القرضِ فقد تمّ ظلمهم، وأصحاب الظلم هم أصحاب أضعاف الربا الباطل. وقال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّـهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴿١٣٠﴾ وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ ﴿١٣١﴾} صدق الله العظيم [آل عمران].
لكون الربا هو أكل أموال الناس بالباطل وهو محرَّم عليهم أن يربوا في أموال الناس بل لهم رؤوس أموالهم. وقال الله تعالى: {فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ اللَّـهِ كَثِيرًا ﴿١٦٠﴾ وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ﴿١٦١﴾} صدق الله العظيم [النساء].
وكان لهم أجر عند الله لو أنهم اقتنعوا برؤوس أموالهم. وقال الله تعالى: {وَمَا آتَيتُم مِن رِبًا لِيَربُوَ في أَموَالِ النَّاسِ فَلا يَربُو عِندَ اللهِ وَمَا آتَيتُم مِن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجهَ اللهِ فَأُولَئِكَ هُمُ المُضعِفُونَ} صدق الله العظيم [الروم:39]. أفلا تتفكرون؟
وعليه نفتي بالحـــقّ:
إنه لا إثم ولا وزر شيئاً على مستهلكي القروض من البنوك الربويّة لقضاء حوائجهم؛ بل الإثم على أصحاب البنوك الربويّة الذين يربون في أموال الناس.
ولربّما يودّ أن يقاطعني أحد أصحاب البنوك الربويّة فيقول: "يا ناصر محمد، ولكن ما هي مصلحتنا من أن نعطي الناس أموالنا بغير فوائد وتأمرنا أن لا نأخذ منهم إلا رأس المال الذي أعطيناهم؟" ومن ثمّ يردّ على أصحاب البنوك الربويّة المهديّ المنتظَر ناصر محمد اليماني وأقول إليك الجواب في محكم كتاب الله القرآن العظيم. قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ} صدق الله العظيم [النساء:29].
وهنا يقصد الله التجارة بالدّين تكون على اتفاق وتراضٍ بين الطرفين، فيكون شيء يباع ويشترى بين الطرفين ذو ربح محدودٍ إلى أجل معدود أو بالتقسيط المريح، فهنا حلالٌ عليكم الزيادة يا أصحاب البنوك التجاريّة.
اللهم قد بيّنت الفتوى بالحقّ اللهم فاشهد، ومن كان له أي اعتراض من علماء الأمّة على بياني هذا الذي تمّ تنزيل الفتوى بالحقّ:
[ إن الذين عليهم القروض من البنوك الربويّة إنه ليس عليهم إثم شيئاً لكونهم محتاجين إلى ذلك ليقضوا حاجاتهم سواء يريدون الزواج لأنفسهم أو لأولادهم، أو الإنفاق في سبيل الله، أو أي شيء آخر، ومن ثم آتيناكم بالبرهان المبين أنّ إثم الربا هو حصرياً على الذين يربون في أموال الناس بغير الحقّ، والحكم لله وهو خير الفاصلين ].
وسلامٌ على المرسلين، والحمد لله ربّ العالمين..
أخوكم الإمام المهدي ناصر محمد اليماني.
ــــــــــــــــــ