الإمام ناصر محمد اليماني
23 - 01 - 1433 هـ
18 - 12 - 2011 مـ
05:02 صباحاً
[ لمتابعة رابط المشاركة الأصليّة للبيان ]
https://albushra-islamia.org/showthread.php?p=29122
ــــــــــــــــــــــ
من أسرار الكتاب المكنون لنشأة الكون ..
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على جدي محمد رسول الله وآله الأطهار وجميع أنصار الله في الأوّلين وفي الآخرين إلى يوم الدين، أما بعد..
ويا أحبّتي الباحثين عن الحقّ، حقيقٌ لا يُفتيكم المهديّ المنتظَر إلا بالحقِّ من مُحكم الذِّكر، فأمّا تسمية الكواكب فيُطلق بشكلٍ عام على الكواكب المضيئة والمنيرة؛ فجميعها كواكب سواءً يكون الكوكب سراجاً وهّاجاً أو كوكباً منيراً كالقمر. تصديقاً لقول الله تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُّنِيرًا ﴿٦١﴾ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا ﴿٦٢﴾} صدق الله العظيم [الفرقان].
وأجدُ في كتاب الله أنّ اسم الكواكب يطلق بشكلٍ عامٍ على الكواكب المضيئة والمنيرة، ألمْ يقل الله تعالى: {إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ ﴿٦﴾ وَحِفْظًا مِّن كُلِّ شَيْطَانٍ مَّارِدٍ ﴿٧﴾ لَّا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَىٰ وَيُقْذَفُونَ مِن كُلِّ جَانِبٍ ﴿٨﴾ دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ ﴿٩﴾}؟ صدق الله العظيم [الصافات]. فما هي الكواكب المقصودة في هذه الآية؟ وتجدون الجواب في محكم الكتاب في قول الله تعالى: {وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ} صدق الله العظيم [الملك:5].
وكذلك أجد في الكتاب أنّ الله يُطلِق اسمَ النجوم على الكواكب بشكلٍ عامٍ المضيئة والمنيرة، فما هي النجوم التي نظر إليها إبراهيم عليه الصلاة والسلام بنظرة المُتدبِّر والمتفكّر حين جنَّ عليه الليل؟ وتجدون الجواب في محكم الكتاب في قول الله تعالى: {فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَىٰ كَوْكَبًا قَالَ هَـٰذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ ﴿٧٦﴾ فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَـٰذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ ﴿٧٧﴾ فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَـٰذَا رَبِّي هَـٰذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ ﴿٧٨﴾} صدق الله العظيم [الأنعام]، كون نبيّ الله إبراهيم نظر إلى الكواكب المُضيئة والمُنيرة بشكلٍ عام، فشاهدَ أحد الأراضين السبع من بعد أرضنا. تصديقاً لقول الله تعالى: {وَكَذَٰلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ ﴿٧٥﴾ فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَىٰ كَوْكَبًا قَالَ هَـٰذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ ﴿٧٦﴾} صدق الله العظيم [الأنعام]. إذاً الكوكب الذي شاهده هو أحد ملكوت الأرض، وهو كوكب أحد الأراضين السّبع من بعد أرضنا الأمّ، كون الأراضين السبع هي كواكب معلقة في الفضاء من بعد أرضنا، لذلك قال الله تعالى: {وَكَذَٰلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} صدق الله العظيم.
إذاً الكوكب الذي شاهده خليل الله إبراهيم عليه الصلاة والسلام هو أحد ملكوت الأرض السبعة، شاهده عند الغروب في ميقات المغرب، فلما أفَل وغابَ قال: "لا أحِبُّ الآفلين". ومن ثم نظر إلى القمر بازغاً بالشرق وكانت ليلة النصف من الشهر ليلة التفكر والتدبّر في ملكوت السماوات والأرض، ومن ثم تفكر في القمر وقال: "بل سوف اتخذه إلهي كونه أكبر من ذلك الكوكب الذي أفل قبل قليل". واستمر إبراهيم عليه الصلاة والسلام طيلة تلك الليلة؛ ليلة النصف من الشهر وهو ينظر إلى القمر البدر وهو كان على فراشه بالعراء المكشوف وساهر المنام من استمرار التفكر بحثاً عن الحقّ، حتى إذا غرب القمر عن ناظريه عند ميقات نداء صلاة الفجر ولم يطمئن قلبه لعبادة القمر ومن ثم أصابه السّقم النفسيّ كونه لم يطمئن قلبه لعبادة الكواكب وهو يريد أن يعبد الحقّ، وبما أنّه يريد من ربِّه أن يهديه إلى الحقّ بعد أن أصابه السّقم النفسيّ وهو يبحث عن الحقّ وكان ينظر إلى القمر البدر طيلة الليلة حتى الفجر فلما أفلَ وغربَ عن ناظريه عند صلاة الفجر وهو لم يتوصل إلى الحقيقة بعد ولذلك قال: {لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ} صدق الله العظيم [الأنعام:77].
ومن ثم أشرقت الشمس فنظر إليها نظرة التدبر والتفكر فقال: {قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ}، حتى إذا غربت جاءه الهدى بعد مضي 24 ساعة من صلاة المغرب إلى صلاة المغرب؛ يوماً كاملاً، و بعد انقضاء نهار تلك الليلة ومن ثم هدى الله قلبه إلى ربِّه الحقّ الذي فطر السماوات والأرض. وقال الله تعالى: {فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَـٰذَا رَبِّي هَـٰذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ ﴿٧٨﴾ إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴿٧٩﴾} صدق الله العظيم [الأنعام].
ونستنبط من ذلك أحكاماً وتسمياتٍ :
- فمِن الأحكام أنّ الله يهدي الباحث عن الحقّ إلى الحقّ تصديقاً لوعده الحقّ: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (69)} صدق الله العظيم [العنكبوت].
- ونستنبط بدء اليوم أنّه من المغرب إلى المغرب، كونه استمر في التفكّر والتدبّر منذ أن جنَّ عليه الليل عند صلاة المغرب إلى أن غربت شمس تلك الليلة بعد انقضاء النهار، وبما أنها مضت 24 ساعة متواصلة وخليل الله إبراهيم يبحث عن الحقّ ومصِرٌّ بين يدي ربه وهو لم ينَم الليل ولا النّهار ويريد من ربِّه أن يهديه إلى الحقّ، ومن ثم هداه الله إلى الحقّ وأنّ الأحقّ بالعبادة هو الذي فطر السماوات والأرض والشمس والقمر، ولذلك قال نبيّ الله إبراهيم: {قَالَ بَل رَّبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ} صدق الله العظيم [الأنبياء:56].
- وكذلك نستنبط أنّ اسم النجوم يُطلق على الكواكب المضيئة والكواكب المنيرة، ولذلك قال الله تعالى: {فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ ﴿٨٨﴾ فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ ﴿٨٩﴾} صدق الله العظيم [الصافات]. وما يقصد إبراهيم بقوله إنّي سقيمٌ؟ وإنما يقصد أنّه متألمٌ نفسيّاً، كونه يريد أن يعبد الحقَّ وليس الباطل، وتجدون الجواب في محكم الكتاب: {قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ} صدق الله العظيم [الأنعام:77].
ولكن بعد النظرة إلى النجوم وكيف أفَلَتْ لم يقتنع بعبادتها من دون الله، ومن ثم جاءه الهدى واصطفاه الله رسولاً لقومه فحاجّوه. وقال الله تعالى: {فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ ﴿٨٨﴾ فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ ﴿٨٩﴾ فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ ﴿٩٠﴾ فَرَاغَ إِلَىٰ آلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ ﴿٩١﴾ مَا لَكُمْ لَا تَنطِقُونَ ﴿٩٢﴾ فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ ﴿٩٣﴾ فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ ﴿٩٤﴾ قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ ﴿٩٥﴾ وَاللَّـهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ ﴿٩٦﴾ قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ ﴿٩٧﴾ فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ ﴿٩٨﴾} صدق الله العظيم [الصافات]. وإنّما جاء في هذه الآيات خبرٌ مختصرٌ عن قصة خليل الله إبراهيم كونه سبق تفصيل قصّته من قبل، ولذلك جاءت القصة باختصار في هذا الموضع من البداية حين كان باحثاً عن الحقّ حتى هداه الله إلى الحقّ واصطفاه رسولاً لقومه فكذبوه ودمّر أصنامهم فألقوه في نار الجحيم ونصره الله وأنجاه من مكرهم، وكل هذه الأخبار المختصرة عن قصة خليل الله إبراهيم في قول الله تعالى: {فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ ﴿٨٨﴾ فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ ﴿٨٩﴾ فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ ﴿٩٠﴾ فَرَاغَ إِلَىٰ آلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ ﴿٩١﴾ مَا لَكُمْ لَا تَنطِقُونَ ﴿٩٢﴾ فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ ﴿٩٣﴾ فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ ﴿٩٤﴾ قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ ﴿٩٥﴾ وَاللَّـهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ ﴿٩٦﴾ قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ ﴿٩٧﴾ فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ ﴿٩٨﴾} صدق الله العظيم [الصافات].
فكم أدهشني قول المفسرين أنّ إبراهيم قال لقومه إنّي سقيمٌ أي مريضٌ بمرض معدٍ حتى يهربوا عنه! ويا عجبي من فتواهم! وما علاقة النجوم بالمرض لو كنتم صادقين؟ ومن ثم نردّ عليهم بالحق ونقول: بل خليل الله إبراهيم توَّعد قومه أن يكيد لأصنامهم بعد أن يتولَّوا عنه فيذهبوا من المعبد الذي نصبوا فيه آلهتهم، ولم يكذب عليهم كما تزعمون أنّه كذب عليهم أنّه مريضٌ بمرضٍ مُعْدٍ ليهرب منه قومه؛ بل أعلن الحرب على آلهتهم بين أيديهم، ولكنّ قومه خوّفوه من بطش آلهتهم به لو يمسَسْها بسوء، ولذلك قال الله تعالى: {وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ} صدق الله العظيم [الأنعام:80]. إذاً إبراهيم عليه الصلاة والسلام توعّد قومه أن يكيد لأصنامهم جهاراً نهاراً بعد أن يولَّوا مدبرين عنها من المعبد، ولكنهم تحدّوه ببطش آلهتهم، ولذلك قال خليل الله إبراهيم {وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ} صدق الله العظيم.
ويا معشر المفسرين من أصحاب كتب التفسير لكلام الله، لماذا تقولون على الله ما لا تعلمون أنّه الحقّ لا شكّ ولا ريب! أفلا تتقون؟ وأمّا معشر الباحثين فلهم الحقّ أن يبحثوا ويتفكّروا في كلام الله في آياته البيّنات ويتوقّعوا بيانها وما يقصده الله من كلامه، وأهم شيء أن لا يفُتوا بها من قبل أن يجدوا البرهان المبين لبيانها المفصَّل في الكتاب، ولا خوف عليكم أحبتي الأنصار السابقين الأخيار فمن ورائِكم إمامٌ مصطفى لكم من ربِّ العالمين يأتيكم بالبيان الحقّ وأحسن تفسيراً، غير أنّي أحذِّركم أن لا تأخذ أحدكم العزّة بالإثم بعدما تبيّن له الحقّ فيصرُّ على ما توصل إليه بفكره بغير سلطانٍ من الرحمن في محكم القرآن؛ بل أطيعوا واتَّبعوا الحقّ وما بعد الحقّ إلا الضلال.
ويا أيها "التائه" الباحث عن الحقّ، إنّ الكوكب الرّتق في الكتاب هو الكوكب الأمّ للسّماوات السّبع وزينتها والأراضين السبع وأقمارها، ذلكم هو كوكب أرضكم الأم التي خلق الله منها ملكوت السماوات والأرض وزينتها، ومنها خلقكم أنتم كون الله خلقكم منها مع أبوكم آدم عند بدء النشأة الأولى في عالم الذريّة، ومن ثم أنطقكم وأخذ منكم الميثاق. تصديقاً لقول الله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَىٰ ۛ شَهِدْنَا أَن تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَـٰذَا غَافِلِينَ ﴿١٧٢﴾ أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ ﴿١٧٣﴾} صدق الله العظيم [الأعراف].
وهذا العهد في الأزل القديم في عالم الذريّة من قبل أن تكونوا أجنَّة في بطون أمّهاتكم، وكان كلّ إنسانٍ في عالم الذّريّة بصيراً بربِّه الحقّ، ولذلك ردَّت -الذريّة المخلوقين من تراب- بالجواب الحقّ على سؤال ربِّهم حين خاطبهم الله تعالى فقال لهم: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَىٰ شَهِدْنَا} صدق الله العظيم؛ بمعنى أنّهم شهدوا لربِّهم بالوحدانيّة والعبوديّة له وحده لا شريك له. ولذلك قال الله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَىٰ شَهِدْنَا أَن تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَـٰذَا غَافِلِينَ ﴿١٧٢﴾ أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ ﴿١٧٣﴾} صدق الله العظيم [الأعراف]. وسوف يتذكّر كلُّ إنسانٍ هذا العهد الأزلي لربِّه، ولذلك قال الإنسان الذي نكث عهده القديم قال: {قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَىٰ وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا} صدق الله العظيم [طه:125]. والإنسان الذي نكث عهد ربه لا يقصد إنّه كان بصيراً من بعد أن ولدته أمُّه في هذه الحياة الدنيا؛ بل يقصد إنّه كان بصيراً يوم خلقه الله في عالم الذريّة عند النشأة الأولى مع أبينا آدم، وما كان الإنسان المُعْرِضُ بصيراً في هذه الحياة الدنيا؛ بل قال الله تعالى: {وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً} صدق الله العظيم [الإسراء:72].
ونعود لكوكب الرّتق، وهو أرضكم التي خلقكم الله منها وهي أمّكم وأمّ ملكوت السماوات السبع وزينتها والأراضين السبع وأقمارها، وهي مركز الكون العظيم، وبيت الله المعظم جعله الله في مركز المركز، ونقطة مركز الكون هو المكان الذي أمر الله خليله إبراهيم أن يبني فيه بيت الله المعظم قبلة الأمم أجمعين.
ويا أيها "التائه" الباحث عن الحقّ، إن عرش الملكوت الكوني كان رتقاً واحداً على كوكب أرضكم هذه فانفتق بانفجار عظيمٍ. تصديقاً لقول الله تعالى: {أَوَ لَمْ يَرَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا} صدق الله العظيم [الأنبياء:30]. ومن ثم أول ما تكَوَّنَ هو مركز الانفجار الكوني، فأول ما تكَوَّنّ بعد الانفجار والانشطار تكونت الأرض مركز الجاذبيّة الكونيّة بعد ألفي سنة، وهي تعدل يومين من أيام الله في الحساب في محكم الكتاب. تصديقاً لقول الله تعالى: {وإنَّ يوماً عندَ ربِّكَ كَألفِ سنةٍ ممَّا تَعُدُّون} [الحج:47].
ومن ثم استوى إلى السماء وهي دخان من بعد الانفجار الكوني، فقضاهن سبع سماوات في يومين من أيام الله في الحساب، وقضى كذلك الأراضين السبع في نفس الميقات ليومي السماوات، ومن ثم تكونت النجوم وهي زينة السماء الدنيا، وذلك التفصيل في قول الله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَىٰ إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ ﴿١١﴾ فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَىٰ فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا ۚ وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ۚ ذَٰلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ﴿١٢﴾} صدق الله العظيم [فصلت]. ومن بعد أن رفع سَمْكَ السماوات وزينتها، ومن ثم عاد الله بقدرته سبحانه إلى الأرض بعد أن بردت، ومن ثم دحاها بالأقوات ليخرج منها ماءها ومرعاها. تصديقاً لقول الله تعالى: {أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا ﴿٢٧﴾ رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا ﴿٢٨﴾ وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا ﴿٢٩﴾ وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَٰلِكَ دَحَاهَا ﴿٣٠﴾ أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا ﴿٣١﴾ وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا ﴿٣٢﴾ مَتَاعًا لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ ﴿٣٣﴾} صدق الله العظيم [النازعات].
واستغرق خلق السماوات والأرضين السبع أَلْفَيْ سنة، واستغرق خلق الأرض الأمّ أَلْفَيْ سنة، وأقواتها ألفيْ سنة، فصار خلق الأرض في يومين وأقواتها في يومين أربعة أيام سواءً للسائلين. تصديقاً لقول الله تعالى: {وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ} صدق الله العظيم [فصلت:10]، وأما الأراضين السبع فهي خلقت في زمن خلق السماوات. تصديقاً لقول الله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَىٰ إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ ﴿١١﴾ فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَىٰ فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَٰلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ﴿١٢﴾} صدق الله العظيم [فصلت]. ولو لم تكن الأرض الأمّ هي مركز الجاذبيّة الكونيّة لما تكونت من قبل السماوات السبع والأراضين السبع والنجوم، وبما أنّ الأرض الأمّ هي مركز الجاذبية الكونيّة، ولذلك قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَن تَزُولَا ۚ وَلَئِن زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ ۚ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا} صدق الله العظيم[فاطر:41].
ولربما "التائه" يود أن يقاطعني فيقول: "يا أيّها الإمام ناصر محمد اليماني، فإلى أين تزول السماوات والأراضون السبع، فإلى أي كوكبٍ تزول لولا أن قدرة الله تمسك السماوات والأرض من الزوال؟". ومن ثم يردّ عليه الإمام المهديّ ناصر محمد اليماني وأقول: إنما الزوال للسماوات السبع والأرضين السبع هو الوقوع على الأرض الأمّ مركز الجاذبيّة الكونيّة لولا الله يمنع السماوات السبع والأرضين السبع من الوقوع عليكم. تصديقاً لقول الله تعالى: {يُمْسِكُ السَّمَاء أَن تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} صدق الله العظيم [الحج:65].
ولكنّ النهاية حتماً سوف تعود إلى البداية، فتعود السماوات السبع وزينتها والأرضين السبع وأقمارها سوف تعود إلى بدء الخلق الأول من قبل الانفتاق فتعود رتقاً واحداً. تصديقاً لقول الله تعالى: {كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكّاً دَكّاً} صدق الله العظيم [الفجر:21]. يوم يطوي السّماوات والأرضين السبع كطيّ السِّجل للكتب، فتدك على الأرض الأمّيّة بشكل ملفوفٍ كما يلف أحدكم قائمة البياض الورقية. تصديقاً لقول الله تعالى: {يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ} صدق الله العظيم [الأنبياء:104]، ويحدث ذلك من بعد انفجار الأرض الأمّ فتنسف الجبال من على ظهرها نسفاً وتتحول إلى قرص مستوٍ دائريٍّ ملفوفٍ يبتلع كل ذرات ملكوت السماوات والأرض، فتتحول إلى قاعٍ صفصفٍ لا عِوجَ فيها ولا نتوءً. تصديقاً لقول الله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا ﴿١٠٥﴾ فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا ﴿١٠٦﴾ لَّا تَرَىٰ فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا﴿١٠٧﴾} صدق الله العظيم [طه]، ويحدث ذلك نتيجة دوران للأرض سريعاً جداً فيرى الناظرُ إلى السماء أنّ النهار والليل يمرّان أمام نظره كلمح بالبصر، فيختفي النهار وتظهر النجوم تمور أمام نظره كلمح بالبصر، بسبب سرعة الحركة الذاتية للأرض بحالها، ولذلك يرى الناظر إنّ السماء تمور موراً أمام الناظرين بسبب حركة الأرض حول نفسها بسرعة رهيبة. تصديقا لقول الله تعالى: {إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ ﴿٧﴾ مَّا لَهُ مِن دَافِعٍ ﴿٨﴾ يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا ﴿٩﴾ وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرًا ﴿١٠﴾ فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ ﴿١١﴾ الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ ﴿١٢﴾} صدق الله العظيم [الطور].
ومن ثم يحدث الانفجار للأرض بسبب سرعة دوران الأرض الرهيب، وتنسف الجبال نسفاً وتتحول الأرض إلى قرص مضغوطٍ دكّاً دكّاً، فتبتلع ملكوت السماوات والأرض والشمس والقمر، غير كوكبٍ واحدٍ يقاوم البالوعة الأرضية الأم إنّه كوكب سقر! وما أدراك ما سقر؟ ذلكم ما تسمونه بالكوكب العاشر برغم أنّ كوكب سقر تستطيع البالوعة الأرضية أن تجرّه إليها أثناء التجاذب فيقترب منها حتى يلتمس بها، ومن ثم تتوقف الجاذبية الأرضية عن الابتلاع وتهدأ من الهيجان العنيف، ولربّما يودّ أحد أحبتي الأنصار أن يقاطعني وهو يرتعد ويقول: "يا إمامي وهل يحدث ذلك في هذا العصر؟". ومن ثم يرد عليه المهديّ المنتظَر وأقول: بل ذلك حدث يوم الساعة الأدهى والأمر وليس الآن حين مرور الكوكب العاشر، وإنّما مرور الكوكب العاشر هو البطشة الصغرى، وأما البطشة الكبرى فهي يوم قيام الساعة. تصديقا لقول الله تعالى: {إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ ﴿١٥﴾ يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَىٰ إِنَّا مُنتَقِمُونَ ﴿١٦﴾} صدق الله العظيم [الدخان].
اللهمّ سَلِّمْ سَلِّمْ..
وسلامٌ على المرسلين، والحمد لله رب العالمين..
أخوكم الإمام المهديّ ناصر محمد اليماني.
ـــــــــــــــــــ