- 2 -
الإمام ناصر محمد اليماني
27 - 01 - 1429 هـ
05 - 02 - 2008 مـ
01:02 صباحاً
ــــــــــــــــــــ
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على جميع أنبياء الله ورُسله وآلهم الطيبين وجميع التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، ولا أفرّق بين أحدٍ من رسُله وأنا من المُسلمين، ثمّ أمّا بعد..
وإليك الجواب بالبيان من القرآن عن السؤال الأول وأهم الأسئلة وهو الفتوى بالحقّ في رؤية الله سُبحانه. ويا طالب العلم إني أراك تقول في الإمام الحقّ قولاً تحسبه هيِّناً وهو عند الله عظيمٌ، ولكن عفى الله عنك، وقال الله تعالى: {الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا} [الفرقان:59]. وأنا أخْبَرُ منك بالرحمن وأُقدِّره حقّ قدْره موقنٌ بعظمته سُبحانه، ولا يتحمل رؤيته جميع خلقه، ولا يتحمل رؤيته إلا شيءٌ مثله؛ وليس كمثله شيء وهو السميع البصير. فتعال لنحتكم إلى الآيات المُحكمات الواضحات البيّنات في القرآن العظيم وليس الآيات المتشابهات في ظاهرهن مع الأحاديث المُفتراة من قبل المنافقين من اليهود ليتبعهنّ من كان في قلبه زيغٌ عن القرآن المحكم والواضح والبيّن ابتغاء البرهان لحديث الفتنة، وكذلك ابتغاء تأويل المُتشابه من القرآن ولكنه أعرض عن المحكم الواضح والبيّن والذي لا يحتاج إلى تأويل وذلك لأنهنّ أمّ الكتاب، ولذلك جعل الله القرآن المحكم واضحاً وبيّناً. وقال الله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّـهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ ﴿٧﴾} صدق الله العظيم [آل عمران].
ولسوف أعطيك مثالاً على ذلك لعلك تعلم خبث مكر شياطين البشر من اليهود، وقد يسندون الحديث المُفترى لأحدٍ من الصحابة وهو بريء من روايته، وعلى سبيل المثال الحديث الذي يقول فيه الراوي أنكم سوف ترون ربّكم جليّاً يوم القيامة كما ترون البدر لا تُضامون في رؤيته، ومن ثم يقول فانظروا إلى قول الله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ ﴿٢٢﴾ إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ﴿٢٣﴾} صدق الله العظيم [القيامة].
ولكن أخي الكريم لا بُدّ لك أن تعلم ما هُنّ الآيات المُحكمات وما هُنّ الآيات المُتشابهات، وفيمَ وجه التشابه؟ فلو كانت تتشابه مع المحكم فالمحكم ظاهره كباطنه ولا يحتاج إلى تأويلٍ، ولكنك سوف تجد ظاهرها مُتناقضاً مع المحكم والواضح والبيّن، ولكنها تتشابه مع الفتنة وما هي الفتنة؟ ألا إنها أحاديث الفتنة الموضوعة بمكرٍ خطيرٍ ويأتي الذين في قلوبهم زيغٌ عن المحكم والواضح والبيّن فيتركه وكأنه ليس من عند الله ومن ثمّ يتّبع الآيات المُتشابهات مع أحاديث الفتنة، وذلك لأنه أصلاً يريد أن يثبت هذا الحديث أنه الحقّ وأنه جاء تأويلاً لهذه الآية المُتشابهة معه، فهو يريد تأويل القرآن بهذا الحديث الموضوع، وهو لا يعلم أنهُ موضوعٌ بل يظنّه عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم.
ولكن لماذا قال الله عن هذا العالِم بأنّ في قلبه زيغٌ ويبتغي الفتنة؛ ولكن برأه الله من أنه يريد أن يؤوِّل القرآن بتعمدِ التأويل الخطأ بل كذلك يُريد تأويل هذه الآيات المتشابهة والتي لا تزال بحاجة إلى تأويل، ولكن لماذا وصفه الله بأنّ في قلبه زيغٌ عن الحق الواضح والبيّن؟ وذلك لأنه ترك الآيات المُحكمات والواضحات والبيّنات التي لم يجعلهنّ الله بحاجةٍ إلى التأويل نظراً لأنهنّ أمّ الكتاب ومن ثمّ عمد إلى الآيات المتشابهة فاتّبع التشابه في ظاهرها مع الحديث المُخالف للآيات المحكمات. فإذا تدبّرتم مرةً أخرى قول الله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّـهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ ﴿٧﴾} صدق الله العظيم، فسوف تجدون بأنّ الذين في قلوبهم زيغٌ عن الحقّ قد اتّبعوا المتشابه من القرآن والذي لا يعلم بتأويله إلا الله ويُلهم تأويله للراسخين في العلم، ومن ثمّ تركوا التمسك بالآيات المُحكمات والبيّنات للجميع نظراً لأنهنّ أمّ الكتاب وأصل عقائد هذا الدين الإسلامي الحنيف.
وتعال لأعلمك الآيات المُحكمات في الفتوى في شأن رؤية الله سُبحانه وتعالى علواً كبيراً، وسوف تجد الآية واضحةً وبيّنةً وتقول بأنّ الله هو الخالق للخلائق، ومن ثم يسترسل في ذكر صفات الربّ الأزليّة أنه لم يتخذ ولداً ولم تكن له صاحبةً ولا تدركه الأبصار، فكيف تقولون إنما ذلك في الدنيا! فهل جعلتم له صاحبةً وولداً في الآخرة؟ سبحانه! وقررتم رؤيته برغم أن عدم رؤيته جاءت ضمن الصفات لذاته سُبحانه أنه لم ليتخذ ولداً ولم تكن له صاحبة. فتدبّروا قول الله تعالى: {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُن لَّهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴿١٠١﴾ ذَٰلِكُمُ اللَّـهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ ۚ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ ﴿١٠٢﴾ لَّا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ﴿١٠٣﴾} صدق الله العظيم [الأنعام].
ولا أرى هذه الآية بحاجة لناصر اليماني أن يُفسّرها نظراً لأنّها من الآيات المُحكمات الواضحات البيّنات نظراً لأنهنّ أمّ الكتاب وأصل هذا الدين الإسلامي الحنيف من كفر بهنّ أو بآيةٍ منهنّ فنفاها فقد كفر بالله ربّ العالمين.
وهل تدري يا طالب العلم لماذا لا ينبغي للخلائق رؤية ربّهم؟ وذلك لأنّه عظيم لا يتحمل رؤية عظمة ذاته إلا شيءٌ مثله في العظمة، وليس كمثله شيء سبحانه، ولذلك انظر إلى ردّ الله بالجواب اللفظي لموسى عليه الصلاة والسلام، ومن ثمّ أكّد له الجواب بالفعل على الواقع الحقيقي بأنّ الله عظيم لا يتحمل رؤيته سبحانه شيء من مخلوقاته حتى الجبل العظيم، فكيف بالإنسان الذي خلقه الله ضعيفاً؟ وقال الله تعالى: {وَلَمَّا جَاءَ مُوسَىٰ لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَـٰكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَىٰ صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ ﴿١٤٣﴾} صدق الله العظيم [الأعراف].
وهذه من الآيات المحكمات ولا تحتاج لناصر اليماني ولا لغيره أن يفسّرها نظراً لوضوحها، ولكن للمزيد للذين لا يكادون أن يفقهوا قولاً ونقول: إنّ الله لم يتجلّى لموسى من باب أنه يجب أن يخشى ربّه بالغيب وأنه لن يراه في الدُنيا فقط، بل تدبّروا الآية جيداً تجدون بأنّ ذلك ليس السبب؛ بل لأنّ الله الخالق لكلّ شيء هو أعظم من كُلّ شيء ولا يتحمل رؤيته شيء، ومن ثمّ ضرب الله لموسى على ذلك مثلاً حين تجلَّى الربّ للجبل العظيم، وماذا حدث للجبل من رؤية عظمة ذات الربّ سبحانه؟ فرأيناه لم يتحمل رؤية عظمة ذات الله؛ بل جعله دكاً دكاً، فهذا حال الجبل العظيم من بعد أن تجلّى له الله سبحانه فماذا إذاً سوف يحدث للإنسان الضعيف والذي قال الله عنه: {وَخُلِقَ الْإِنسَانُ ضَعِيفًا ﴿٢٨﴾} صدق الله العظيم [النساء]؟
وكذلك يقول الله أنه ما كان لبشرٍ أن يكلّمه جهرةً. وقال الله تعالى: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاء إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ} صدق الله العظيم [الشورى:51].
ومن ثمّ ننظر هل يوم القيامة يوجد حجابٌ بين الخالق والخلائق؟ وقال الله تعالى: {وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنزِيلًا ﴿٢٥﴾} صدق الله العظيم [الفرقان].
فهل تعلم يا طالب العلم ما هو الغمام؟ أنه حجاب الربّ والذي يُكلّم الناس من وراءه. وقال الله تعالى: {هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَن يَأْتِيَهُمُ اللَّـهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَإِلَى اللَّـهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ ﴿٢١٠﴾} صدق الله العظيم [البقرة].
ولا أجادلك بالمحكم يا طالب العلم ومن ثم أنكر المتشابه؛ بل كُلّ من عند ربّنا المُحكم والمتشابه، ولسوف آتيك بتأويل المتشابه من قوله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ ﴿٢٢﴾ إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ﴿٢٣﴾} صدق الله العظيم [القيامة].
وهذه الآية تشابه في ظاهرها مع الحديث المُفترى [إنكم سترون ربكم جلياً كالبدر لا تضامون في رؤيته]، ولكن يا طالب العلم إنّ هذا الحديث والذي يتشابه مع ظاهر هذه الآية سوف تجد أنه قد خالف نصَّ المحكم جُملةً وتفصيلاً؛ بل بينهما اختلافٌ كثير، وهُنا تربط (هانبريك مع الفرامل) إن كنت تخاف أن تقول على الله غير الحقّ، ومن ثم تعلم أنّ هذه الآية حتماً إنها من المتشابه والذي لا يعلم بتأويله إلا الله ويُعَلِّمُه للراسخين في العلم وأنا منهم، ولسوف آتيك بتأويل هذه الآية المتشابهة في ظاهرها مع الحديث المُفترى.
ويا طالب العلم عليك أن تعلم بأنّ الآية تتكلم عن الوجه الباطن للإنسان وهو القلب، وذلك الوجه هو الوجه الحقيقي للإنسان والذي يتعامل معه الربّ يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، وإذاً الإنسان يقول بلسانه ما ليس في قلبه يُسمى أبو وجهين، فتعال لننظر إلى آيةٍ أخرى في القرآن العظيم تتكلم عن القلوب فيسمّيها القرآن وجوه. وقال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِّمَا مَعَكُم مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَىٰ أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللَّـهِ مَفْعُولًا ﴿٤٧﴾} صدق الله العظيم [النساء].
فهذه الآية تخاطب طائفتين وهم اليهود والنصارى، فأمّا النصارى فيخصّهم الشطر الأول من الآية في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِّمَا مَعَكُم مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَىٰ أَدْبَارِهَا} صدق الله العظيم، ومعنى ذلك تهديد للنصارى أن يؤمنوا بما جاء في هذا القرآن فلا يبالغوا في ابن مريم بغير الحقّ من قبل أن يطمس الله على قلوبهم فيردّها على أدبارها فيظهر لهم ابن مريم الحقّ فيكفروا به ومن ثمّ يتّبعون المسيح الكذاب والذي يقول أنه الله.
وأمّا اليهود فيخصّهم التهديد في الشطر الآخر من الآية وهو المسخ، وذلك لأنّ اليهود يعلمون أنّ المسيح عيسى ابن مريم الذي سيقول أنه الله، فهم يعلمون أنه ليس ابن مريم وأنه كذّاب، ومع علمهم بالحقّ فيتّبعون الباطل وهم يعلمون، لذلك سوف يلعنهم الله فيمسخهم إلى خنازير كما مسخ أصحاب السبت منهم إلى قردةٍ من قبل، ولكنه بقي المسخ إلى خنازير كما ذكر الله ذلك في الكتاب في قول الله تعالى: {وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ} صدق الله العظيم [المائدة:60].
فأما المسخ إلى قِرَدَةٍ {كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ ﴿٦٥﴾} [البقرة]، ولكن بقي في علم الكتاب المسخ إلى خنازير، ويخصّ هذا التهديد يهود اليوم في زمن ظهور المسيح الحقّ عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام.
ويا طالب العلم، هل تعلم ما هي الحكمة من بقاء ابن مريم؟ وذلك لأنّ الشيطان الرجيم سوف يظهر لكم كإنسانٍ فيقول لكم إنّه المسيح عيسى ابن مريم وإنّه الله ربّ العالمين. ولكنه كذّاب فهو ليس المسيح عيسى ابن مريم وما كان لابن مريم أن يقول ذلك؛ بل هو الشيطان الرجيم بذاته ولذلك يُسمى المسيح الكذاب بمعنى أنه ليس ابن مريم، ومن أجل هذا الافتراء سوف يعود ابن مريم الحقّ فيقول ويكلم الناس كهلاً بنفس الكلام الذي كلمهم به وهو في المهد صبياً: {إِنِّي عَبْدُ اللَّـهِ} [مريم:30].
ولم أخرج عن الموضوع يا طالب العلم المحترم إنما أردنا أن نبيّن لك بأنّ القرآن كذلك يتكلم عن الوجه الباطن للإنسان وما يحتويه من فزعٍ شديدٍ، ولذلك تُظنّ أنّ يُفعل بها فاقرةٌ. وأما الوجوه الناظرة فهي القلوب الناظرة لرحمة الله، والناظر يأتي في مواضعٍ ويقصد به الانتظار، كمثال قول الملكة: {فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ} [النمل:35]، وليس ذلك قياساً مني؛ بل لكي تعلم أنه يُقال للمنتظِر ناظرٌ في اللغة.
وأعلم أنّ ذلك في موضوع آخر وإنما استنبطنا المعنى اللغوي لقوله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ ﴿٢٢﴾ إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ﴿٢٣﴾} صدق الله العظيم [القيامة]، فبيّنا أنّه يتكلم في مواضع عن الوجه وهو يعني بذلك القلب، وكذلك الانتظار من مرادفاته ناظر، إذاً الوجوه الناظرة إلى ربها ناظرة هي القلوب المنتظرة إلى رحمة الله، وأما القلوب الباسرة فكذلك هي الوجوه الباسرة التي تظن أن يفعل بها فاقرة.
ولكن الإنسان يدرك عظمة الربّ بالبصيرة، ولكن من كان في هذه أعمى عن ربّه فلم يقدِّره حقّ قدره فهو كذلك في الآخرة أعمى وأضلّ سبيلاً، فكما كان قلبه محجوباً عن الربّ في الدنيا فكذلك هو محجوبٌ عنه في الآخرة، فلا يرتدّ إليهم طرفهم بالبصيرة لرؤية عظمة خالقهم أنه عظيمٌ رحيمٌ كريمٌ عفوٌّ حليمٌ؛ بل هم عن رحمة ربهم مُبلسون يائسون.
وذلك لأنك يا طالب العلم قد تودّ أن تقاطعني بقوله تعالى: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ ﴿١٥﴾} صدق الله العظيم [المطففين]، فأقول لك إنّه نفس الحجاب الذي كان على قلوبهم في الدُنيا هو كذلك على قلوبهم في الآخرة. تصديقاً لقول الله تعالى: {وَمَن كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً} [الإسراء:72].
وكذلك قول الله تعالى: {مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ} [إبراهيم:43]، فهو يتكلم عن طرف البصيرة وليس أنهم عميان عن البصر بل يرون. وقال الله تعالى: {وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُم مُّوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا ﴿٥٣﴾} صدق الله العظيم [الكهف].
إذاً الله يتكلم عن القلب وبصره وسمعه وعقله وهو الوجه الباطن للإنسان فهل فهمت الخبر يا طالب العلم؟ وأقسم بالله العليّ العظيم مُقدماً: لن تستطيع أن تلجمني من القرآن العظيم ولسوف ألجمك به إلجاماً، أو تأخذك العزّة بالإثم فيقيّض لك الله شيطاناً مريداً، ولسوف نخوض في هذا الشأن حتى ننتهي منه حسب طلبك، ومن ثم ننتقل للإجابة عن المواضيع الأخرى.
وسلامٌ على المُرسلين والحمدُ لله رب العالمين..
أخوك المهديّ المنتظَر الإمام الناصر لمحمد رسول الله والقرآن العظيم ناصر محمد اليماني، قد جعل الله في اسمي خبري وراية أمري، وتلك هي الحكمة من التواطؤ، فهل أنتم مؤمنون؟
ــــــــــــــــــــــ