ردّ الإمام المهديّ على السائل الذي يريد أن يحصر علم الغيب على الأنبياء من دون الأئمة الصالحين الذين يؤتيهم الله علم الكتاب ..
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على جدّي محمدٍ رسول الله وآله الأطهار وجميع أنصار الله إلى اليوم الآخر، أمّا بعد..
قال الله تعالى: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَىٰ غَيْبِهِ أَحَدًا ﴿٢٦﴾ إِلَّا مَنِ ارْتَضَىٰ مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا ﴿٢٧﴾ لِّيَعْلَمَ أَن قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَىٰ كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا ﴿٢٨﴾} صدق الله العظيم [الجن].
وفي هذه الآية يتكلم عن الكتاب المُنزّل على الرسل والأنبياءِ وليس عن الأنبياء والأئمة الذين يؤتيهم الله علم الكتاب؛ بل يتكلم عن الرسالة المنزّلة التي أنزلها على رسله وكلّف الله ملائكته بحراستها. تصديقاً لقول الله تعالى: {إِلَّا مَنِ ارْتَضَىٰ مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا ﴿٢٧﴾ لِّيَعْلَمَ أَن قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَىٰ كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا ﴿٢٨﴾} صدق الله العظيم [الجن].
وتخصُّ هذه الآية الرسل الذين يتنزّل عليهم الكتابَ، كونكم لن تجدوا قط أنّه تمّ قتل أيّ رسولٍ كونه مكلف بتبليغ رسالةٍ منزّلةٍ عليه، ولذلك قال الله تعالى: {إِلَّا مَنِ ارْتَضَىٰ مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا ﴿٢٧﴾ لِّيَعْلَمَ أَن قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَىٰ كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا ﴿٢٨﴾} صدق الله العظيم
وأولئك جاءت الرسالة من الربّ عن طريقهم وفي رسالتهم من علوم الغيب، ولا يحيط اللهُ الرسلَ بكافة ما في رسالتهم من علوم الغيب، وأما الأنبياء والأئمة فهم الذين آتاهم الله الحُكْمَ وعِلْمَ الكتاب، ويعلمون ما يشاء الله من علوم الغيب في محكم الكتاب ومتشابهه.
ولربّما يودّ أن يقول السائل: "ولكنّ الرسل وحدهم فقط الذين أطلعَهم الله على علوم الغيب ولا يَطَّلِع عليه أحدٌ غير الرسل، ألم يقل الله تعالى: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَىٰ غَيْبِهِ أَحَدًا ﴿٢٦﴾ إِلَّا مَنِ ارْتَضَىٰ مِن رَّسُولٍ} صدق الله العظيم؟". ومن ثم يردّ عليه الإمام المهديّ وأقول: إنما يتكلم عن الكتاب المُنزَّل عليهم بأنه لن يأتي بالكتاب الحقّ إلا من كان رسول مصطفًى من ربه، وما تنزلت به الشياطين.
ومن ثم يقاطعني السائل مرةً أخرى فيقول: "لا تراوغ يا ناصر محمد، فقد أثبتنا أنَّ علوم الغيب لا يُظهرها الله إلا على رسله المصطفين. تصديقاً لقول الله تعالى: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَىٰ غَيْبِهِ أَحَدًا ﴿٢٦﴾ إِلَّا مَنِ ارْتَضَىٰ مِن رَّسُولٍ} صدق الله العظيم، أليس ذلك برهاناً مبيناً أنَّ علم الغيب محصورٌ على الرسل فقط يحيطهم الله به وحدهم من دون الصالحين؟". ومن ثم يردّ عليه الإمام المهديّ ناصر محمد اليماني وأقول: إنما يقصد رسالة الكتاب المنزّل وفيه من علوم الغيب، ولم يجعل الله علوم الغيب في الرسالة المنزّلة محصورة على الرسول الذي جاء بها؛ بل وكذلك الذين يؤتيهم الله علم ذلك الكتاب المنزّل؛ بل من علوم الغيب ما هو مُحْكمٌ بَيِّنٌ لعلماء الأمّة وعامة المسلمين حتى السائل يحيط به برغم أنه من علوم الغيب.
وربما السائل يودّ أن يقول: "يا ناصر محمد، إني لا أعلم من علوم الغيب شيئاً فلستُ رسولاً كون الله لا يحيط بعلوم الغيب إلا الرسل". ومن ثم أقيمُ على السائل الحجّة بالحقّ من محكم علوم الغيب البيِّن لعلماء الأمّة وعامة المسلمين في قول الله تعالى: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ ﴿١﴾ مَا أَغْنَىٰ عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ ﴿٢﴾سَيَصْلَىٰ نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ ﴿٣﴾} صدق الله العظيم [المسد]. فهذه من علوم الغيب في محكم القرآن العظيم آيةٌ بيِّنةٌ لكافة الكفار والمسلمين في عصر تنزيل القرآن وأبو لهبٍ حيٌ يرزق، وفعلاً قُتِلَ أبو لهب في غزوة أحد وأُدْخِلَ ناراً ذات لهب. والسؤال الذي يطرح نفسه: أليست هذه الآية تحمل من علوم الغيب المستقبليَّة وقد عَلِمَ بها أنا وأنت وجميع المسلمين؟ وهنا يتبيّن لك أن الله يقصد علوم الغيب في رسالة الكتاب، وهل جاء بالرسالة من الله غير رسله؟ ولذلك قال الله تعالى: {إِلَّا مَنِ ارْتَضَىٰ مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا ﴿٢٧﴾ لِّيَعْلَمَ أَن قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَىٰ كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا ﴿٢٨﴾} صدق الله العظيم [الجن].
وتبيّن للسائل أنّ الله يقصد رسالة الكتاب الحقّ المنزلة من عند الله. وهل جاء برسالة الكتاب غير الرسل؟ وفي رسالة الرسول كثير من علوم الغيب. تصديقاً لقول الله تعالى: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَىٰ غَيْبِهِ أَحَدًا ﴿٢٦﴾ إِلَّا مَنِ ارْتَضَىٰ مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا ﴿٢٧﴾ لِّيَعْلَمَ أَن قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَىٰ كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا ﴿٢٨﴾} صدق الله العظيم [الجن].
ألا وإنَّ في رسالة النّبيّ المرسَل من علوم الغيب ما يعلم بها النّبيّ وقومُه، وليست علوم الغيب محصورةً على النّبيّ من دون قومه. وقال الله تعالى: {تِلْكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِن قَبْلِ} صدق الله العظيم [هود:49].
فلا تحرّفوا كلام الله عن مواضعه، ولا تحصروا العلم على الأنبياء من دون الصالحين حتى لا تبالغوا في أنبياء الله فتشركوا بالله، إني لكم ناصحٌ أمينٌ. وقال الله تعالى: {نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مّن نّشَآءُ وَفَوْقَ كُلّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} صدق الله العظيم [يوسف:76]. وسلامٌ على المرسلين، والحمد لله ربّ العالمين..
ولربما يودّ السائل أن يقول: "مهلاً مهلاً يا ناصر محمد، ولكنك لم تفتني مَنْ ذلك العبد من عباد الله الصالحين الذي تعلّم منه العِلمَ نبيُّ الله موسى عليهم الصلاة والسلام؟ " ومن ثم نقول له: يا رجل إذا كان الله كتم اسمه عن نبيّ الله موسى فكيف يخبرك به أنت؟! سواء كنتُ أعلمُه أم لا أعلمه فلا يحقِّ لي أن أكشف لك شأنه حتى لا يدعوه من دون الله المبالغون في عباد الله المقربين من الذين قال الله عنهم: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} صدق الله العظيم [يوسف:106].
أولئك ما قدروا الله حقّ قدره فبمجرد ما يعلمون بعبدٍ من عبيد الله المقربين إلا وتوسلوا به إلى الله وطلبوا منه الدعاء أن يدعوَ لهم اللهَ وذلك من الشرك، إنّ الشرك لظلمٌ عظيمٌ. فلا تجعلوا بينكم وبين الله وسيطٌ في الدعاء، فذلك شركٌ والشرك ظلمٌ عظيمٌ؛ بل ادعوا الله مباشرةً مخلصين له الدين في الدعاء يجِبكم حتى ولو كنتم كافرين. تصديقاً لقول الله تعالى:{هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ ۙ دَعَوُا اللَّـهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنجَيْتَنَا مِنْ هَـٰذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ﴿٢٢﴾فَلَمَّا أَنجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ ۗ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَىٰ أَنفُسِكُم ۖ مَّتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴿٢٣﴾} صدق الله العظيم [يونس].
ألا والله الذي لا إله غيره لو أنّ الذين تقوم عليهم الساعة يدعون الله مخلصين من غير شركٍ في دعائهم لأجابهم ربّهم وكشف عنهمُ عذاب الساعة إلى حينٍ. تصديقاً لقول الله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّـهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّـهِ تَدْعُونَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴿٤٠﴾ بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِن شَاءَ وَتَنسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ ﴿٤١﴾} صدق الله العظيم [الأنعام]. فاتقوا الله وأطيعونِ تهتدوا إلى صراطٍ مستقيم، وذروا المبالغة في الأنبياء والمهديّ المنتظَر وإنما نحنُ عبيدٌ لله مثلكم ولكم من الحقّ في الربّ المعبود ما للأنبياء والمهديّ المنتظَر، كوننا عبيد لله مثلكم ولسنا أولادَ الله -سبحانه وتعالى علواً كبيراً- حتى نكون أحقّ بذات الله منكم؛ بل الله الربّ المعبود وما في السماوات والأرض عبيدٌ متنافسون إلى ربهم أيُّهم أحبُّ وأقربُ، ولم يفضّلوا بعضهم بعضاً إلى ذات الربّ كونهم لا يشركون بالله شيئاً، ولذلك تجدونهم متنافسين في حبِّ الله وقربه فيبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب. تصديقاً لقول الله تعالى: {يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا} صدق الله العظيم [الإسراء:57]. وأما المشركون فإن قال لهم الإمام المهديّ: إنَّ الأعمال لم يُغلق بابُها وليس للإنسان إلا ما سعى في هذه الحياة. تصديقاً لقول الله تعالى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (39) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى (40) ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى (41)} صدق الله العظيم [النجم].
فهيا تنافسوا مع العبيد في الملكوت إلى الربّ المعبود أيّهم أحبّ وأقرب. لقال جميع المسلمين إلا من رحم ربي: "ماذا تقول يا ناصر محمد؟ فهل تريدنا أن ننافس الأنبياء والرسل في حبّ الله وقربه!". فيقول النصارى: "بل المسيح عيسى ابن مريم صلى الله عليه وآله وسلم أولى بأقرب درجة في حب الله وقربه كونه ابن الله". سبحانه وتعالى عمَّا يشركون! وأما المسلمون فسوف يقولون: "ماذا تقول يا ناصر محمد؟ بل محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو الأولى بأقرب درجة في حبّ الله وقربه". ومن ثمّ يردّ عليهم المهديّ المنتظَر وأقول: ولكني الإمام المهديّ الحقّ أقول لكافة أنصار المهديّ المنتظَر ناصر محمد اليماني في العالمين:
أقسم بالله العظيم أن من يعتقد منكم يا معشر الأنصار أنه لا يحقّ له أن ينافس خليفة الله المهديّ في حبّ الله وقربه أنّه قد أشرك بالله العظيم، ولن يجد له من دون الله ولياً ولا نصيراً، ولكن كونوا ربّانيين تعبدون الله وحده لا شريك له، وتنافسوا مع العبيد إلى الربّ المعبود، وما ينبغي لي أن أدعوكم إلى غير الحقّ. تصديقاً لقول الله تعالى: {مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ} صدق الله العظيم [آل عمران:79].. اللهم قد بلغت، اللهم فاشهد.
وسلامٌ على المرسلين، والحمد لله ربّ العالمين..
أخوكم الإمام المهديّ ناصر محمد اليماني.
ــــــــــــــــــ